تفاعل الشارع الإيراني مع (وصال) و (صفا)
لعب وهن الإعلام العربي دوراَ بارزاً في قوة التدخل الإيراني ونشاطه في الدول العربية، و لا يتعلق هذا فقط بالأفكار النمطية الضعيفة التي تتبناها وسائل إلإعلام العربية , بل غالبا يرجع ذلك إلى أن هذا الإعلام يخضع لإكراهات ومصالح الاقتصاد الإعلامي ,ولعلاقاته المعقدة بجهات سياسية واجتماعية. وأظهر أن الإعلام العربي لم يبن حتى القليل من الإستراتيجيات تجاه هذا الإرهاب. ونادرا ما يهتم بالحديث عن العمل النضالي للشعوب غير الفارسية المعادية للنظام الفارسي ,كما تفعل إيران ضد البلدان العربية. بينما يملك العرب قنوات فضائية منوعة بلغت حتى عام 2010 ما يزيد عن 696 قناة، فضلا عن آلاف الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية المتخصصة والشاملة , ومواقع الإنترنت الإخبارية والإعلامية وغيرها. حقيقة قناة "وصال وصفا" ومكانتها في الإعلام العربي واقع الامر أن هذه القنوات رفعت الستار عن استبداد النظام الفارسي وأسقطت ورقة التوت ,وكشفت العورة الإيرانية ,وانكشف معها الخبث الفارسي في أوساط الشعوب غير الفارسية والجالية الشيعية في دول العربية. وتجلى ذلك بوضوح أكبر في الاقاليم غير الفارسية التي تفجرت فيها عوامل الحراك السياسي والاحتقان الاجتماعي منذ عقود، وربما تكون "الأحواز وبلوشستان" من أبرز تلك الأقاليم.
فقد سمحت ظروف الهامش الإعلامي لهذه القنوات المتاحة لديها بتحفيز "الشعب العربي والبلوشي" للمساهمة في الإعلام والفضائيات. وأدى إلى التمرد على ثوابت الإعلام الرسمي الفارسي، وتحرير قطاعات واسعة من هذه الشعوب من سطوة النظام سياسياً وعقائدياً. ومن غير المبالغة في هذا السياق القول بأن التضافر والتلاقح الذي نشأ بين هذه القنوات، وبين تقنية الإعلام في شبكات التواصل الإجتماعي أدى الى عجز النظام الإعلامي الفارسي عن احتوائها. كما ساهمت هذه القنوات "وصال وصفا" في تأسيس أجيال واعية وبلورة توجهاتها السياسية والعقائدية والمجتمعية. يمكننا عن حق أن نستنتج بأن الخطاب الإعلامي الراهن حول إيران في قناة "وصال وصفا" هو نابع عن حقيقة واضحة ويتلخص في معالجة موضوع " وحدة الخطر الفارسي العنصري" ضد الدول العربية ,وخاصة المملكة العربية السعودية الركن الركيز للعالم الإسلامي والعربي. ومن طبيعة هذه القنوات أن لها تأثيرا موجها نحو التواصل الاجتماعي بشأن القضايا الحساسة لدى الشعوب غير الفارسية في جغرافية إيران ,وتملك تأثيرا إزاء ما يفكر به الناس حول مواضيع مثل "الهوية الوطنية للشعوب غير الفارسية والعقيدة الإسلامية". واستطاعت هذه القنوات بتوفير عدة شروط أو محددات رئيسية أعطتها مكانتها في الشارع الإيراني، منها:
أ: القدرة على تمثيل الاتجاهات المختلفة داخل المجتمع الإيراني، حيث إنه توجد في جغرافية إيران عدة اتجاهات وشعوب ذات أهداف واحتياجات معینة. واستطاعت هذه القنوات أن تمثل عدة جهات من الشعوب غيرالفارسية في جغرافية إيران رغم تنوعه.
ب: حماية مجتمعات الشعوب غيرالفارسية المضطهدة في جغرافية إيران، حيث قامت هذه القنوات بحماية هذه المجتمعات بالتغطية الإعلامية، حتى أصبحت مصالح هذه المجتمعات والشعوب في مواجهة مصالح الأنظمة الحاكمة المستبدة.
ج: توفير المعلومات للشعوب غيرالفارسية: حيث إن توفير وسائل الإعلام للمعرفة السياسية والعقائدية والاجتماعية يتم لصالح الأفراد والمجتمعات في الوقت نفسه، لكي يستطيعوا أن يتخذوا القرارات الصحيحة. ومن الضروري الإشارة إلى نقطتين لعبتا تأثيرا كبيرا في جذب المشاهدين للقنوات الفضائية مثل وصال وصفا، منها:
أ . أن القنوات الفضائية أصبحت ضرورة إعلامية للشعوب غير الفارسية ,بينما لا تملك هذه الشعوب أي اعلام مهني يهتم بها.
ب. تفهم قادة النظام الفارسي، أن الإعلام ليس أمر محتكراً ,ولا يمكن غش الشعوب واستعبادها لا سياسياً ولا اجتماعياً.
وأن وسائل الاتصال الجماهيري لها تأثير على الشعوب في جغرافية إيران، فقد أصبحت ذات أهميه بالغة الأثر ,ليس على الصعيد الإعلامي السياسي فحسب ,وإنما على أنماط الحياة العقائدي ايضاً، فهي تعمل بطريقه أو بأخرى في التأثير على النظام الفارسي, وتترك أثرا كبيرا في تشكيل مفاهيم الناس وتصوراتهم عن كذب النظام بكل أشكاله وفي كافة شئون الحياة. وأبرز مظاهر التغيير التي تمارسه هذه القنوات الفضائية على الشعوب في جغرافية إيران:
أ. لا توجد خطورة تبثه هذه القنوات الفضائية في البلدان أو الشعوب التي تستقبلها ، ولا تحتكم على ذاك الزخم من المواد الإعلامية الذي يسبب فتنة اجتماعية و ثقافية, بل ولاحتى سياسية أوأمنية.
ب . ترفض إقصاء الثقافات المحلية.
ج . القنوات الفضائية التى تدافع عن الشعوب المضطهدة في جغرافية إيران تعتبر خطوة ملحوظة لحفظ الثقافات الوطنية لهذه الشعوب في مواجهة الإعلام الفارسي الذي يسعى لتذويب ,وطمس معالمها في ظل هذا الفيض الإعلامي الموجه لصالحه.
د . التأثير المباشر على التنشئة الاجتماعية، فالأمر الملحوظ أن تأثير القنوات الفضائية أمثال "وصال وصفا" قد بدأ بارزا , حيث دخلت القنوات الفضائية المجتمعات المضطهدة و اقتحمت الإعلام الفارسي.
ما اضطر النظام الفارسي إلى تصدير موجات للتشويش على الفضائيات ,وأدى ذلك إلى جدل في إيران حول التأثيرات الصحية لموجات التشويش على الفضائيات ,حيث قالت معصومة ابتكار وزيرة الصحة: إن الإشعاعات الصادرة عنها تؤدي إلى خلل في جهاز المناعة (جريدة شرق الأوسط). ونستطيع أن نجمل أهم ايجابيات هذه القنوات اجتماعيا وسياسيا في الشارع الإيراني على النحو التالي:
أ: لها دور في التثقيف والتوعية المجتمعية.
ب: رفع العزلة المفروضة على الشعوب غير الفارسية المضطهدة وتحطيم قيود تلك العزلة.
ج: التشهير بممارسة الحكومات الفارسية التي تمارس الظلم والفساد والقهر على هذه الشعوب.
د- جلب الاهتمام العالمي بالقضايا الانسانية والحقوقية والاضطهاد بحق الشعوب المضطهدة.
ه – تطوير وسائل الاتصال المحلية لمواجهة النظام الفارسي.
ز- التقليل من السيادة الإعلامية الكونية التي يسيطر عليه النظام في طهران وقم من خلال الإعلام التي تتحكم وتسيطر عليه، الأمر الذي يتضمن مزيدا من الدعوة إلى التحرر والانطلاق، لتزويد المجتمعات والشباب بالبرامج و المعلومات التي تساعدهم على معرفة حقيقة النظام. أما الآثار الإيجابية للبث المباشر لقنوات وصال وصفا على مجتمعات الشعوب المظطهدة في جغرافية إيران يمكن تحديد أهمها في المجالات التالية:
أ- الأخبار السياسة والاجتماعية، حيث أتاحت هذه القنوات المشاهد فرصة التعرف على الأنباء والأحداث الواقعة في محيطه، والتعايش مع الحدث والخبر مباشرة.
ب- التعرف على كنهة التشيع الفارسي واستخدمه لأغراض وأهداف النظام.
ج – ساعدت هذه القنوات الفضائية على تلاقح النضوج الاجتماعي للشعوب المضطهدة، أو مايمكن أن نسميه بالتفاعل الاجتماعي السياسي بين هذه الشعوب. وأخيراً ابد من البحث في قضية إغلاق هذه القنوات هل يخدم الإستراتيجية الأمنية الإيرانية. وهل ستفوز إيران إعلاميا وسيختفي الإعلام المقاوم للمد الفارسي في الخليج !! .
هل وجود الملاحظات على خطاب وأداء هذه القنوات لا يمكن التعامل مع الا بالاغلاق !؟ أسئلة لابد من التمعن في اجاباتها.
مصطفى حسين
المصدر: موقع المثقف الجديد