الإمبراطورية الفارسية طموح إيران المدعوم من الغرب
منذ احتلال الأحواز وبلوشستان في عامي 1925 و1928 بتعاون بريطاني والإعلان الرسمي عن تأسيس إيران في العقد الرابع من القرن الماضي، فرض الفرس هيمنتهم على الشعوب غير الفارسية (الأتراك، العرب، الأكراد، البلوش والتركمان) التي تسكن في جغرافية إيران، فعملوا جادّين على ترسيخها وبرّروا قمع مقاومة الشعوب الرازحة تحت احتلالهم.
بُنيت الثقافة والهوية الفارسية على أساس العداء والكراهية للعرب وتعزيز إحساس الانتقام من العرب واستعادة الأراضي المحتلة المزعومة، قبل 1400 عام على يد المسلمين ودون انقطاع تُنشر وتُروّج هذه الفكرة العنصرية من زمن حكومة الشاه، وتصاعدت وتيرة بث الفكر العنصري في إيران بعد ثورة 1979 وازداد عليها البُعد الطائفي، وحتى يومنا هذا استمرت سياسات التطهير العرقي بأساليب غير إنسانية وغير أخلاقية لإحكام قبaضة الفرس على البلاد وتوظيف كل إمكانيات البلد لخدمة الأهداف والمطامع الفارسية.
وبنظرة سريعة على السياسات العنصرية والأداء الطائفي للنظام الإيراني في الشرق الأوسط المعادي للشعوب غير الفارسية التي تشكل أكثر من 65 بالمئة من سكان جغرافية إيران، يمكن أن نستشف وبسهولة أن ما تُسمى بالإمبراطورية الفارسية بُنيت على أساس العدوان والقمع والاحتلال، مثلها مثل بنية إيران الحالية القائمة على احتلال أراضي العرب، الأتراك، البلوش والشعوب الأُخرى.
وفي سياسته الخارجية، يستخدم النظام الفارسي غطاء تعبويا وهو إحياء الإمبراطورية التاريخية المزعومة لتبرير سياساته التوسعية، حيث تتعاون إيران مع الغرب وإسرائيل في نشر الخلافات والتناقضات والفتن الطائفية في العالم العربي، وهذا التعاون الإستراتيجي الغربي-الإيراني-الإسرائيلي أصبح أكثر وضوحا بعد غزو العراق عام 2003.
وتم الكشف عن هذا التعاون الإستراتيجي ضد الأُمة العربية بعد فشل مشروع “الفوضى الخلاقة” وهزيمة الجماعات المسؤولة عن تنفيذه. ولعلّ أهم مظاهر التعاون العلني بين الدولة الفارسية والغرب، يكمن في الصفقة النووية المفاجئة ونجاحها السريع، حيث فشلت الدول الغربية في الوصول إلى اتفاق إستراتيجي وجامع مع إيران في الفترات الماضية التي دامت أكثر من عشر سنوات، إلا أن المفاوضات السرية بين أميركا وإيران أثمرت في فترة قصيرة جدا.
ولا ننسى أن قبل هذه الصفقة الإستراتيجية، كان التعاون الإيراني الغربي قائما ولم يتوقف رغم الاختلافات الشكلية، وفي الواقع، كان الغرب يخطط لإثارة الفوضى والقلاقل منذ فترة طويلة قد تصل لما قبل ثورة عام 1979 في إيران، فمنذ خروج الاستعمار البريطاني وتطبيق نظرية “سدّ الفراغ أو شرطي المنطقة”، بدأ الغرب بإعداد الظروف الملائمة لتسليم الملالي مقاليد الحكم في إيران.
وفي الفترات الماضية قبل ثورة 1979 وباستخدام هذه النظرية المخادعة، تمكن الغرب ودون أدنى معارضه إقليمية من تجهيز الجيش الإيراني وبناء مؤسسات قويّة وضخمة بهدف تغيير التوازن الإقليمي والعسكري لصالح إسرائيل وإعداد الظروف لردع التيار القومي التقدّمي في الوطن العربي، وفي الوقت نفسه، عملت المؤسسات الاستخباراتية والإعلامية الأميركية والبريطانية وخاصة “بي.بي.سي فارسي” على إعداد الظروف الاجتماعية والسياسية لانتصار الثورة الإسلامية المزعومـة في إيــران.
وتعتبر “الثورة الإيرانية”، بداية مرحلة حرب طويلة ضد الأُمة العربية، إذ بعد انتصار الثورة طُرحت إستراتيجية “عداء إيران مع إسرائيل” ليتم التستر على السياسات العدوانية الإيرانية ضد العرب.
ومن أهم نتائج هذه الخدعة، تمكن الطرف الإسرائيلي من طرح نظرية “عزلة إيران” كامتياز ثمين للعرب في المفاوضات المعروفة بـ”السلام العربي-الإسرائيلي”، حيث ومن خلال هذا التنسیق الإیراني-الإسرائيلي-الغربي، جُنّب الصهاينة من تقديم تنازلات جوهرية للفلسطينيين.
وإضافة إلى نظرية “عزلة إيران”، طرحت الحكومة الإيرانية فكرة مخادعة أُخرى وهي حقها بالمشاركة في الترتيبات الأمنية للمنطقة وتسوية القضية الفلسطينية على أساس مصالح الأُمة الإسلامية، ووفقا لهذه الفكرة، أصدر ملالي طهران فتوى خيانة وتآمر الحكام العرب على القضية الفلسطينية ونشروا نظرة سلبية ومعادية تجاه الحكام العرب من خلال الدعاية الواسعة وبدعم مباشر وغير مباشر من وسائل الإعلام الغربية، كما عملوا على إبراز حكام إيران على أنهم المدافعون المخلصون والصادقون عن مصالح الأُمة الإسلامية والقضية الفلسطينية. وهكذا نجح النظام الفارسي في بناء الجسور بينه وبين الأُمة الإسلامية، مستغلا طموحاتها وتطلعاتها لتنفيذ سياساته التوسعية والطائفية.
وبإتباع أساليب التحايل والمراوغة، تمكّن ملالي قم وطهران من اختراق صفوف الأُمة الإسلامية واستقطاب نسبة واسعة من هذه الأُمة والتي تطالب بتحرير الأراضي المقدسة من الاحتلال الصهيوني، ومن خلال هذا الأُسلوب، أنشأ النظام الفارسي تنظيمات تُسمى بالتحرّرية والمقاومة ضد الحكام الخونة والمتآمرين على القضية الفلسطينية، وخلال 30 عاما من النشاط المستمر، وظف النظام الإيراني أموالا طائلة وتعاون مع المؤسسات الإستخباراتية الغربية في هذا الغرض.
وكانت ثمرة هذا التوظيف والتعاون ولادة العديد من الجماعات الإرهابية الموالية لإيران في لبنان، سوريا، العراق، البحرين واليمن، حيث ترفع هذه الجماعات الإرهابية شعار العداء لأميركا وإسرائيل في الظاهر، ولكنها تنفذ سياسة أسيادها في قم وطهران، وتوجّه فوهة بنادقها وأسلحتها نحو بلدانها والأُمة الإسلامية في واقع الأمر.
جدير بالذكر أن قادة الجيش الإيراني قاوموا الثورة المسمّاة بالإسلامية، فمنعوا الخميني من العودة إلى إيران، ولكن تدخل الإدارة الأميركية رجّح وبشكل مباشر كفة الخميني وأعوانه على حساب الجيش مما أفضى إلى نجاح “الثورة الإسلامية”، إذ أن الطائرة “إير فرانس” التي تم استئجارها من قبل بعض القياديين من أتباع جماعات وتنظيمات الإسلام السياسي لنقل الخميني من باريس، هبطت في مطار طهران بحماية الطائرات “أف 14” الأميركية.
نقلا عن “العرب”