#أحوازنا -صراع أعمدة النظام… أيٌ منها سيتآكل؟
يتميز موقع رئاسة الجمهورية في إيران بأهمية دستورية وسياسية متأتية من رئاسته السلطة التنفيذية في البلاد وواجهة دبلوماسية في عمليات التفاوض والتعامل الدولي. لكن من دون إغفال قدرات المرشد الأعلى المشرعنة دستورياً في صناعة السياسة الخارجية ووضع استراتجيات أمنية وسياسية واقتصادية، معززة بطغيان قوة الحرس الثوري الحامي لنظام ولاية الفقيه. ذلك ما يحتم انحياز الرئيس للعمل ضمن المحددات العامة للمرشد الأعلى، مع قدرته على استغلال هوامش التحرك التي تتيحها عمومية هذه المحددات.
تتنازع التيارات السياسية وتتجاذب فيما بينها محدثةً استقطاباً مجتمعياً إزاء القضايا الداخلية، إلا أنها محكومة في رؤيتها الكلية بايجاد مساحات مشتركة في السياسة الخارجية تحقيقاً للمصالح الوطنية وصوناً للأمن القومي الإيراني.
لم يعد الصراع السياسي بين جناحي السلطة خفياً. ترتسم حدود التمايز إن لم نقل العداء، يوماً بعد يوم بين أصوليين يحاولون تكوين جسم سياسي تحت عناوين “الثورية” والمحافظة على قيم الثورة الإسلامية المتجسدة في شخص المرشد علي خامنئي، في تضاد مع التيار “الاعتدالي” ومن يدعمه من الإصلاحيين استناداً على براغماتية هاشمي رفسنجاني ودبلوماسية حسن روحاني.
أبدى روحاني موافقته للدخول في السباق الانتخابي الرئاسي المزمع إجراؤه في 19 يونيو للعام المقبل. فعلى الرغم من نجاح الرئيس حسن روحاني في إبرام الاتفاق النووي مع الدول 5+1 وخروج إيران نسبياً من عزلتها الدولية -التي أفضت إليها الساسات المتصلبة للرئيس السابق أحمدي نجاد-، الأمر الذي فتح المجال لمضاعفة العوائد النفطية ومستويات الاستثمار الأجنبي المباشر وخفض معدلات التضخم.
إلا أن تجديد قانون “داماتدو” في إعادة فرض للعقوبات الأمريكية على قطاعات إيران الطاقوية والمصرفية والإنتاجية، يضيّق أفق تعافي الاقتصاد الإيراني، الذي اعتمد روحاني على حتمية تحققها في تسويقه للاتفاق النووي. هذا مع تأرجح الكثير من الشركات الأجنبية تحديداً الأوروبية في الاسثمار في الاقتصاد الإيراني نتيجة عزوف المصارف الغربية عن توفير سيولة نقدية لهذه الاسثمارات، خشية تمدد نطاق العقوبات الأمريكية إلى أنشطتها المصرفية. فمما لا شك فيه أن هذا القانون بحيثياته التاريخية يستنزف الشروط الضرورية لاستمرار الاتفاق النووي في المضمون الذي بدأ فيه.
يتضافر ملف الفساد الإداري والاختلاس المالي من قبل مسؤولين في الحكومة الإيرانية، قدّرها وزير النفط بمبلغ 25 مليار دولار، مع الفشل في الحد من القبضة الأمنية على الحريات السياسية والاجتماعية العامة والخاصة، في إضعاف علاقة الثقة بين الجمهور الإصلاحي وبرنامج النخبة السياسية التي تدفع باتجاه إعادة انتخاب حسن روحاني لدورة ثانية. فنظرة بسيطة تكشف تفرد فترة روحاني بأعلى نسب الإعدامات طوال العقدين المنصرمين؛ فضلاً عن تورط شقيقه حسين فريدون في تعيين رؤساء المصارف المتهمين في قضية الرواتب الفلكية، مما حدا بالبرلمان بفتح تحقيق حول دور فريدون في هذه التعيينات.
فقد تمثل الطائرات ايرباص الثمان المأمول تسليمها لإيران في مارس المقبل، أهم مكاسب الاتفاق النووي إن لم يكن الوحيد. فقد بالغت الصحف الإصلاحية في تقدير صفقة الطائرات، بغية التعويض عن الإخفاقات التي تلت الاتفاق، في سياق تشكّل مناخ عام يسمح بقبول عبارة الأصوليين: إن إيران لم تربح شيئاً من الاتفاق.
فاستطلاعات الرأي الأخيرة، تظهر تراجع شعبية حسن روحاني في مقابل خصومه السياسيين، في سيناريو قد يستنسخ مجريات الانتخابات الأمريكية التي أفضت إلى خسارة هيلاري كلينتون جراء الفضائح المسربة ضدها.
على الرغم من ذلك، يراهن روحاني على انعدام بديل خيار الإصلاح “الهادئ” لدى الإصلاحيين والمعتدلين نخبةً وجمهوراً على حد سواء، في إعادة إنتخابه. والمعنى يتضمن عدم جدوى الخروج على الأطر الحزبية الرسمية للنظام الحاكم أو محاولة زعزعة اسقراره كما حصل في احتجاجات عام 2009.
ولكنه غير واثق من ذلك. ما دفعه إلى إصدار “ميثاق المواطنة”، الذي يكتسب دلالته من بعدين: الأول كدعاية انتخابية هادفة إلى ردم الفجوات بين توقعات القواعد الشعبية الإصلاحية وأداء الحكومة لجهة ضمان الحريات السياسية ودمقرطة النظام السياسي ضد الأجهزة الأمنية ومن يقف وراءها. أما الثاني فينصبّ في تهئية بيئة استثمارية مناسبة لصالح القطاع الخاص والشركات الأجنبية، في إطار تحجيم الوجود الاقتصادي للحرس الثوري.
في المقابل، يجهد التيار الأصولي على اختلاف أحزابه، في البحث عن صيغة مشتركة للاتفاق على مرشح رئاسي جدير بمنافسة روحاني. فمن السهل تلمس التصدعات في الجبهة الداخلية للأصوليين، كدليل على ترشح مصطفى ميرسليم رغم انتسابه لحزب المؤتلفة العريق في انتاج رؤساء ومرشحين سابقين كهاشمي رفسنجاني وأحمدي نجاد وناطق نوري. الأمر الذي يرفع من حظوظ روحاني بالفوز في سباق انتخابي يكون فيه التيار المنافس عاجزا حتى اللحظة عن طرح مرشح حقيقي، مع تزايد إمكانية تعدد المرشحين الأصوليين وما لهذا الأخير من عواقب توزع أصوات الناخبين بين أكثر من مرشح أصولي.
يشوب المشهد السياسي الإيراني الكثير من الغموض والارتباك الناجمين عن تفاقم الأزمات الداخلية والخارجية. لذا تبقى فرضية نجاح روحاني مرهونة بتقلبات موازين القوى السياسية وانعكاساتها على توجهات الناخب الإيراني. وبموازاة ذلك، تحتل طبيعة أداء إدارة ترامب الجديدة إزاء الاتفاق النووي واحتمالات إلغائه أو تعديل بعض بنوده أو فرض حزمة عقوبات جديدة تتعلق ببرناج التسلح الصاروخي، موقعاً لا يقل عن العوامل الداخلية في تأثيره على نتائج الانتخابات.
بقلم: يعقوب سعيد
المصدر: مركز المزماة للدراسات والبحوث