كلمة أحوازنا: التوظيف السياسي للأحداث والتعاطي الأحوازي
أحوازنا
تعتبر الأحداث الاجتماعية من أهم الفرص التي يمكن توظيفها سياسيا واستثمارها وطنيا في صراعنا مع العدو الفارسي. إذ في ظل وجود الاحتلال الفارسي وما يملكه من أدوات أمنية، سياسية واقتصادية على أرض الواقع بات من الصعب أو المكلف، صنع أحداث سياسية لصالح القضية الأحوازية. لأن أي تحرك سياسي قبل الأحداث سيكون احتمال كشفه والقضاء عليه أو تكبيد القائمين عليه خسائر باهظة احتمالا قويا. لذلك الأحداث والمناسبات الاجتماعية بغض النظر عن طابعها في المجتمع تعتبر من الفرص المهمة التي يجب توظيفها سياسيا لصالح القضية الأحوازية.
الاحتجاجات الأحوازية حول حرف مجرى نهر كارون
بدأت الاحتجاجات الشعبية في العاصمة الأحواز حول حرف مجرى الأنهر وبالتحديد نهر كارون من خلال دعوة بعض من شباب الأحواز، الشعب الأحوازي للاحتجاجات وحثه للحضور فيها. وكانت بداية الاحتجاجات هزيلة وفي نفس الوقت كانت بعض الجهات في الشتات ضد هذه الاحتجاجات وبعثت برسائل تدينها وتشوهها وتشوه القائمين عليها. ولكن هذه الاحتجاجات تكررت في الأسابيع الأخرى وبدأت الناس تشارك أكثر فأكثر فيها. وتم رفع لافتات باللغتين العربية والفارسية وتم تسريب الكثير من الأفلام والصور عن هذه الاحتجاجات حيث كانت تروي ما تحمله الساحة الأحوازية من احتقان وتململ شعبي ضد السياسات الفارسية العنصرية في الأحواز.
التفاعل الأحوازي في الشتات مع الاحتجاجات
لم يكن التفاعل الأحوازي إيجابيا مع الاحتجاجات في بداياتها وإنما في كثير من الأحيان كان سلبياإلا بعض الحالات النادرة. ولكن بعد ما استمرت الاحتجاجات وأخذت طابعا عاما، اتجه التفاعل الأحوازي نحو الايجابية. فتم نشر الكثير من الأفلام والصور، وبالعديد من اللغات أهمها العربية والفارسية والإنجليزية، وتم نشر العديد من المنشورات حول جريمة تحويل مجرى نهر كارون إلى عمق الدولة الفارسية. بيد أن هذا التفاعل لم يدم طويلا بسبب التنافس السلبي بين التنظيمات حيث انعكس سلبا على التفاعل مع الاحتجاجات وتخلى عن مساندتها إعلاميا.
يعتبر التفاعل الإيجابي مع الأحداث في الأحواز من الضروريات الوطنية لنقل ما يجري في الأحواز للعالم الخارجي واستخدامها سياسيا. بيد أن بسبب قلة التدبير والتنافس السلبي بين التنظيمات والجهات الفاعلة، تم اهمال هذه الاحتجاجات وقد يكون الإهمال في كثير من الأحيان مقصودا.
تشييع جنازة الشاعر الكبير ملا فاضل السكراني وما واكبها من أحداث
تشييع جنازة الشاعر الأحوازي الكبير الرحوم ملا فاضل السكراني، والتفاعل الشعبي معها يعتبر من الأحداث التي تستوجب الوقوف عندها ومعرفة تفاصيلها وحيثياتها. بعد وفاة هذا الشاعر المرموق، شارك الكثير من شباب الأحواز ومن مدن مختلفة في تشييع الجنازة. وما يستدعي الانتباه اللافتة المكتوب عليها اسم الأحواز ورفعها في الملأ العام وبدون أي خوف أو تردد، حيث تعتبر هذه التسمية من الخطوط الحمراء التي لم يتم اجتيازها بطريقة علنية قبل هذا الحدث. مما يمكن إدراك مدى الشعور الوطني الذي يتمتع به الشاب الأحوازي وحالة التحدي التي وصل اليها المواطن الأحوازي وبالأخص الشاب الأحوازي. والحالة الإيجابية التي صاحبت تشييع الجثمان لم تختصر عند حد تحدي الاحتلال برفع لافتة مكتوب عليها الاسم العربي للوطن(الأحواز) وإنما التفاعل الشعبي مع هذا الحدث والأشعار والأهازيج الوطنية التي صاحبته من المؤشرات التي تبين غليان الشارع الأحوازي ضد الاحتلال الفارسي وقابليته للاستثمار في الحقل الوطني ضد العدو الفارسي. اضافة لذلك إن المرونة والسرعة التي أظهرها المواطن الأحوازي في نقل المعلومة للتنظيمات والطبقة السياسية الأحوازية في الشتات تبين درجة الوعي التي وصل إليها الشاب الأحوازي ومحاولاته الحثيثة لنقل ما يحدث على أرض الواقع للعالم الخارجي.
تفاعل الأحوازي في الشتات مع مناسبة تشييع الجثمان
التفاعل الأحوازي في الشتات مع مناسبة تشييع جثمان المرحوم الشاعر الكبير ملا فاضل السكراني لم يكن بحجم المناسبة وبالمستوى المطلوب. في بدايات تشييع جثمان المرحوم ملا فاضل السكراني كان التفاعل إيجابيا حتى وإن لم يكن بمستوى الطاقات الموجودة في الشتات. ولكن بعد تسريب الصور عن الجموع الغفيرة من الشعب العربي الأحوازي الحاضرة لتشيع الجثمان والصور والأفلام عن الشباب الرافعين للافتة التعزية واسم الأحواز، اتجه التفاعل مع المناسبة وما واكبها من أحداث نحو السلبية وخفت التفاعل الإيجابي وأخذ منحى آخرا لا يمت للمناسبة ولأولويات القضية الأحوازية بأي صلة. وكانت بعض الجهات تساهم بطريقة مباشرة لحرف الاهتمام بهذه المناسبة وتوظيفها سياسيا إلى نقاشات غير مجدية وعقيمة لا تخدم القضية في الوقت الراهن بقدر ما تلحق بها من أضرار جسيمة.
مباراة كرة القدم والتفاعل الشعبي في الأحواز
تعتبر مباراة كرة القدم بين الفريق “الأحوازي” والفريق السعودي والتفاعل الشعبي معها والدعوة المسبقة من قبل الأخوة وبعض النشطاء السياسيين، من الأحداث المهمة التي تبين أمكانية الاستثمار السياسي للأحداث والمناسبات غير السياسية وتوظيفها خدمة للقضية الأحوازية وبأقل “الخسائر”. كان حضور شرائح واسعة من الشعب الأحوازي وإصرار الكثير منها على ارتداء الزي العربي يكشف الشعور الوطني والعروبي الذي يتمتع به المواطن الأحوازي في الوقت الراهن، رغم التحديات والصعاب. ومن المؤشرات الأخرى التي تدلل على الشعور والتمسك بالانتماء العربي ومحاولة إثبات الوجود، ارتداء الزي العربي وإطلاق شعارات وهتافات عربية ترحب بالفريقين أو بأحدهما وشعارات عربية تدلل على عروبة الأحواز. كل هذه المؤشرات السياسية يمكن على ضوئها قياس رأي الشارع الأحوازي وتطلعاته وقابليته للاستخدام السياسي للمصلحة العامة.
التفاعل الأحوازي في الشتات مع حدث مباراة (فولاذ – الفتح)
تفاعلَ الأحوازيون في الشتات مع مباراة (“فولاذ” – الفتح) وما واكبها من أحداث مهمة، وساهموا في نشر وتوزيع الكثير من الأخبار والصور والأفلام عن المباراة والأحداث التي رافقتها. ولكن هذا التفاعل لم يستمر طويلا وانحرف مرة أخرى نحو قضايا خلافية لا جدوى منها ضمن إطار استثمار الفرص والتوظيف السياسي ضد العدو الفارسي. وبغض النظر عن الجهات التي افتعلت أو أثارت هذه القضايا الخلافية في هذا الوقت الحساس فإن الغالبية أنجرف نحو نقاش عقيم لم يثر الساحة السياسية بشيء بقدر ما يبين عدم تمكننا من اقتناص الفرص ويبين تغليب البعض المصالح الضيقة والثانوية على المصلحة العامة الأحوازية. واضافة لانجراف جزء كبير من النشطاء الأحوازيين لهذا النقاش العقيم فإن جزءا آخر بقي صامتا أو لم يتعاط مع هذا الحدث بما يستحقه من اهتمام وتعامل معه مثل ساير الأحداث العادية التي تقع يوميا.
الاستهداف الفارسي لقصر السلة والرفض الأحوازي
استهدف العدو الفارسي قصر السلة (سراي عجم) وقام بهدم جزء من هذا القصر الذي تعرضت أجزاء منه في أوقات سابقة إلى بعض اعمال التخريب والتدميرعلى يد الاحتلال الفارسي. وكما يبدو العدو الفارسي يستخدم سياسية استهداف وتخريب الآثار والمعالم الأحوازية ومن بينها هذا القصر، على مراحل متعددة وبطرق مباشرة أو ملتوية من أجل القضاء عليها (الآثار والمعالم الأحوازية) والتخلص منها ضمن إطار سياسية استهداف الهوية العربية الأحوازية وطمسها. وعلى إثر هذا العمل العدواني تجاه الشعب العربي الأحوازي وتجاه تراثه أقام العديد من أبناء الشعب الأحوازي احتجاجا واسعا عبّروا من خلاله عن رفضهم لهذا العمل والنوايا الخبيثة التي تقف خلفه. ويعتبر الاستخدام الإيجابي للواتس اب والفيس بوك لنشر الدعوة بين الشعب الأحوازي وحثه للحضور الفعال في هذا الاحتجاج، والتعبير عن رفضه للسياسة الفارسية العدوانية التي تستهدف التراث والهوية الأحوازيين، يعتبر من القضايا التي يستجوب التوقف عندها. حيث بعد التطور الذي حدث على التقنية وانتشارها في الأحواز، والاستخدام الواسع للواتس اب والفيس بوك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي في الأحواز، أصبح من الممكن الارتباط مع كافة شرائح المجتمع والتواصل معها وملامسة واقع الشعب وهمومه والتأثير عليه والتأثر به. ولم يفوّت الشاب الأحوازي هذه الفرصة إذ نقل المعلومات والبيانات بكامل الدقة والسرعة للأحوازيين في الشتات مما سهّل عليهم استخدام هذه المعلومات لصالح القضية الأحوازية.
التفاعل الأحوازي في الشتات مع ما حدث لقصر السلة
تفاعلَ الأحوازيون في الشتات بطريقة إيجابية مع الاستهداف الفارسي العدواني لقصر “السلة” وساهموا بنقل ما يمكن نقله للمواطن العربي وغير العربي عن الهمجية الفارسية الشعواء التي تستهدف الهوية العربية وتحاول طمسها. بيد أن هذا التفاعل لم يكن بمستوى الحدث ولم يخل من “العيوب والنواقص”. إذ مثل السابق استمر الكثير من الأحوازيين بالجدل حول قضايا ثانوية وغير قابلة للحسم على الملأ العام. وكان من الممكن مناقشتها في فترات لاحقة، ولكن هذا لم يحدث واستمر البعض بإعطاء اهتمام واسع – بوعي أو بدون وعي -لهذه القضايا ومناقشتها على حساب الأحداث المهمة التي وقعت في الأحواز وفي فترة زمنية قصيرة، وعلى حساب أهداف وطموحات الشعب الأحوازي ومقاومته الوطنية.
مناسبة نيروز وما رافقها من أحداث
يعتبر نيروز من الأيام التي تحتفل بها الدولة الفارسية والكثير من الشعوب الأخرى في المنطقة، وتعد مناسبة نيروز من المناسبات المهمة التي يجب أن يتم تناولها بموضوعية ودقة بعيدا عن الانحيازيات والنظرات الضيقة أو الرؤى المايعة وغير المسؤولة. تأتي أهمية هذه المناسبة للشعب العربي الأحوازي وعلى رأسه الطبقة السياسية الأحوازية ليس من باب الترف الثقافي والسياسي، وإنما تأتي من مدى تأثير هذه المناسبة وغيرها من المناسبات الأخرى على ثقافة الشعب العربي الأحوازي وهويته، باعتبارها في الوقت الراهن جزء لا يتجزأ من الثقافة الفارسية التي يوظفها العدو ضد الشعب العربي الأحوازي وهويته العربية.
قد يكون من البديهيات أن جميع الشعوب من حقها أن تكون لها أعياد ومناسبات تحتفل بها وتفرح بها، مثلما نحن يجب أن نتمتع بهذا الحق الذي حال الفرس بينه وبيننا. لكن هذه المناسبة يجب أن تخضع للنقاش السياسي الواسع، لأنها باتت توظف ضد الشعب الأحوازي وضد ثقافته وهويته العربيتين. وهذا النقاش من المفترض ألا يُصنف في إطار الكره والبغض للأمم والشعوب وثقافاتها، وإنما يجب أن يُصنف في إطار الدفاع عن الشعب الأحوازي وهويته واحترام الشعوب وهوياتها. لذلك يعتبر من الضروري تنبيه الشعب الأحوازي وحثه لمقاطعة هذه المناسبة وغيرها من المناسبات التي تستخدم في إطار الغزو الثقافي الفارسي للشعب الأحوازي وثقافته، ولكن هذه المقاطعة يجب شرح اسبابها بأسلوب واضح حتى لا يحدث التباس للمتلقي والمتابع. إن سبب هذه المقاطعة مرتبطا بوجود الاحتلال الفارسي في الأحواز ومرتبطا باستخدام العدو الفارسي لهذه المناسبات في استهداف الهوية الأحوازية ضمن إطار الصراع الدائر بين الشعب الفارسي والشعب العربي.
ورغم وضوح الحقائق مثل “وضوح الشمس في رابعة النهار” إلا البعض أصر على تسميم الساحة السياسية الأحوازية، اعطى للتيار الداعي لمقاطعة الثقافة الفارسية بغية الدفاع عن الهوية، أعطاه مظهرا عنيفا وجانيا ومعتديا على الشعوب وثقافاتها وألصق به الكثير من التهم التي تنال منه. وبغض النظر عن دوافع وأسباب هذا التوجه ولكن نجح إلى حد معين في حرف مسار المقاطعة من أجل الدفاع، واظهارها بمظهر المعتدي والمبغض للأخرين.
نتيجة
من خلال متابعة جميع المناسبات والأحداث التي تقع في داخل الأحواز وخارجها، يمكن إدراك وجود بعض الشرائح من الشعب العربي الأحوازي مهيأة لمواجه العدو الفارسي ومستعدة نفسيا، ولكنها بحاجة إلى التنظيم والتأهيل لتوظيفها خدمة للأهداف الاستراتيجية والمصلحة الوطنية العامة. كما يمكن لمس سهولة استثمار الأحداث والمناسبات الاجتماعية وتوظيفها ضمن الحقل السياسي الوطني وبأقل خسائر مقارنة مع استثمار الأحداث والمناسبات السياسية وبأتي هذا ضمن إبتكار الشعب العربي الأحوازي لأدوات وأساليب نضالية جديدة حسب الظروف الذاتية والموضوعية التي يمر بها.
واضافة لذلك يمكن ملاحظة تشتت التيارات السياسية الأحوازية في المهجر وعدم تفاعلها كما يجب مع الأحداث على أرض الواقع في الوطن، وتركيزها في غالب الأحيان على الساحة الأحوازية في الشتات والتفاعل فيما بينها. ويمكن مشاهدة اهمال التنظيمات الأحوازية للأحداث والمناسبات في الأحواز وعدم توظيفها سياسيا خدمة للمصلحة الوطنية العامة وانجرارها نحو المشاكل والخلافات الثانوية على حساب القضية الأحوازية وعلى حساب الصراع مع العدو الفارسي. ويمكن الاستدلال بكل سهولة على تأثير الخلافات بين التنظيمات الأحوازية على الساحة السياسية في الشتات وفي الداخل والانعكاس السلبي لهذه الخلافات على الساحتين الداخلية والخارجية.
أهم ما يمكن أن تعمل عليه الطبقة السياسية الأحوازية في الشتات وعلى رأسها التنظيمات السياسية الأحوازية هو التركيز على الساحة الداخلية والتفاعل معها والمشاركة في صناعة الأحداث. وفي حال لم تتمكن من المشاركة في صناعة الأحداث، فمن الضروري أن تتفاعل ايجابيا مع الساحة الداخلية الأحوازية، وتنقل ما يجري فيها على نحو الدقة والموضوعية إلى العالم والمناصرين، وتبتعد عن التنافس السلبي والخصومة مع الشركاء في الوطن وتتجنب مقاطعة الأحداث في الداخل أو اهمالها. إذ مقاطعة الأحداث في داخل الأحواز أو اهمالها، وعدم إعطائها حقها في المجال الإعلامي والسياسي، سينعكس سلبا على التنظيمات “المهملة” (التنظيمات التي لا تتفاعل مع الأحداث في داخل الأحواز وتهتم بقضايا ثانوية على حساب الأولويات) وسيبعد شرائح واسعة ونشطة من الشعب الأحوازي عنها. لذلك بات التفاعل مع الأحداث والمناسبات في الأحواز، بغض النظر عن مدى حجمها وانتشارها وبغض النظر عن أفكار ومعتقدات من يقوم بها، من الضرورات الوطنية للحفاظ على القاعدة الجماهيرية والعمق الاستراتيجي للطبقة السياسية والتنظيمات داخل الأحواز المحتلة والترويج لأفكارها وتوجهاتها ومشاريعها السياسية بين كل شرائح الشعب العربي الأحوازي.