#أحوازنا -آسيا الوسطى في ميزان التنافس السعودي الإيراني
ترتكز إيران في سياساتها الخارجية على عدة محددات رئيسية، من بينها العاملان العرقي والعقدي، وفي بعض الأحيان يتم تقديم أحد هذه العوامل على غيره وفقا للسياسة التي تحتاجها للتعامل مع جانب بعينه، وقد لا تستخدم هذا العامل في التعامل مع طرف آخر قد يراه المتابع مشابها لسابقه. فإذا كانت إيران تركز في تعاملها مع دول الجوار العربي على العامل المذهبي فإنها تقدم الجانب العرقي والثقافي في تعاطيها مع معظم دول آسيا الوسطى، وإن كانت جميعها تختلف مع إيران من حيث الانتماء المذهبي والعقدي. تدرك إيران أن العزف على المشتركات التاريخية والثقافية واللغوية مع دول آسيا الوسطى أنجع من البعد المذهبي وترويج أيديولوجيا ولاية الفقيه، وإن كانت لم تهمل هذا الأخير بالكلية، ولكنه يأتي في مرتبة متأخرة نسبيا.
ولقد تنبهت معظم تلك الدول لأدوات إيران هذه وعملت على محاصرتها، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة. فمؤخرا قالت إذاعة راديو طاجيكستان إن السلطات المحلية منعت تداول رسائل وكتب الخميني وبعض مراجع التقليد الإيرانيين، كما تم إغلاق المركز الثقافي والتجاري الإيراني هناك. ويبدو أن إغلاق هذا المركز كان بطلب من المسؤولين الطاجيك. وكان مركز الإيرانيين في مدينة خجند يستخدم الجانب الثقافي عبر دعم الكُتّاب المحليين وطباعة كتبهم وتنظيم رحلات للشباب الطاجيك إلى إيران بهدف استمالتهم إلى جانبه وتجنيدهم لخدمة مصالحه في طاجيكستان.
بعيدا عن النشاط الإيراني في طاجيكستان هناك حاجة سعودية ملحة لتنمية العلاقات مع دول آسيا الوسطى، ولكن بأدوات مختلفة عن السابق، وأيضا مختلفة عن الأسلوب الإيراني. من المعلوم أن إيران ترى في تلك الدول باحة خلفية لها ومتنفسا اقتصاديا كبيرا لمنتجاتها، وتصدر إليها أكثر مما تستورد منها، بل إن أرقام الصادرات الإيرانية إلى تلك الدول مئات أضعاف أحجام الواردات منها.
وهناك رغبة من حكومات وشعوب تلك الدول لتقوية العلاقات مع المملكة العربية السعودية على كافة الأصعدة، وثقتها في المملكة تتجاوز بمراحل كبيرة ولأسباب عديدة ثقتها في النظام الإيراني بسبب التجارب السلبية المتراكمة مع طهران، ولكن عامل الجغرافيا وحاجتها أحيانا للمرور عبر الأراضي الإيرانية إلى المنافذ المائية، وعدم وجود بدائل حقيقية حتى اللحظة، جعلها تصمت أمام الابتزاز والترغيب والترهيب الإيراني. شخصيا، سبق والتقيت بعدد من المؤثرين في هذه الدول، وجميعهم يؤكدون على رغبة دولهم في تطوير العلاقات مع المملكة، وأيضا فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين دولهم والمملكة، وفي الوقت ذاته عبروا صراحة عن تذمرهم من التدخلات الإيرانية في شؤون دولهم الداخلية. من هنا ربما يحتاج رجال الأعمال والصناديق الاستثمارية السعودية إلى تقييم جاد للأسواق في تلك الدول، وكذلك البيئة الاستثمارية فيها، فدول آسيا الوسطى تتمتع بأراض زراعية خصبة، وطبيعة خلابة من الممكن أن تكون وجهات سياحية مناسبة للسياح السعوديين، وثروات طبيعية كبيرة لم تستثمر بسبب ضعف البنية التحتية والإمكانات المتاحة، كما أن السوق السعودية قد تكون وجهة مناسبة للمنتجات الزراعية القادمة من تلك الدول.
ومن المعلوم أن المسار الاقتصادي والتجاري بوابة للتفاهمات السياسية والتناغم في الرؤى والمواقف، كما أن الغياب السعودي عن المشهد الثقافي والمعرفي في تلك الدول يحتاج إلى إعادة نظر جادة، فهناك صور نمطية عن السعودية تاريخيا وثقافيا وفكريا ينبغي تقديمها بشكل يحاكي الواقع، ويبدد الأحكام المسبقة لدى النخب في دول آسيا الوسطى. ومن هنا فإنني أقترح تشكيل لجنة ثقافية وأخرى اقتصادية/ تجارية لتقوم بزيارة لتلك الدول وتعقد جلسات وورش عمل مع النخب الفكرية ورجالات الأعمال هناك، وتصاحبها إقامة أيام ثقافية سعودية حتى وإن كانت متواضعة مبدئيا، ولكن سيفتح ذلك أفقا كبيرة ومهمة للمملكة وبرامجها المنبثقة من رؤية 2030.
إن الاعتماد على القوة الناعمة السعودية بمختلف أدواتها في الوقت الراهن يلعب دورا كبيرا وحيويا في التعريف الصحيح والواقعي بقدرات المملكة وإمكاناتها، وكذلك المساهمة في بناء علاقات مع كثير من الدول مبنية على المعلومة الصحيحة والصورة الواقعية، بعيدا عن التحريف أو التزوير الذي يهدف إلى تشويه صورة المملكة وتوجهاتها وتاريخها وثقافتها، وإن لم نعمل على هذا التصحيح فسوف يستغل الطرف المقابل (أيّ كان) هذا الغياب للترويج لنفسه على حساب تشويه صورة بلادنا.
محمد السلمي
المصدر: الوطن السعودية