صفحات مُغيّبة من التأريخ الاحوازي(1)
هكذا قال أمير المحمرة عند توديع اثنان من كبار الضباط في الجيش البريطاني بعد العرض العسكري الذي قدموه في المحمرة في شهر نوامبر من عام 1916م :" من الجيّد أن نرى هذه العلوم من خلال العرض العسكري لكننا نتطلع ونتمنى أن تحل علوم السلام مكان علوم الحرب والدمار في المستقبل".
يقال أن التاريخ يكتبه الاقوياء المنتصرون وهذا ما حصل لنا في الاحواز تماما حيث حاول القوي المنتصر أن يدخل شعبنا المغلوب في غيبوبة وغفلة تأمة حتى يتسنى له الوقت الكافي لكتابة التاريخ وتسطيره حسب مايشاء وبالرغم من عمق الغيبوبة وشدة الغفلة التي اصابتنا جراء السياسات العنصرية لم يتمكن الفرس من النيل من ذاكرة الشعب الاحوازي حتى الان فمن يتابع نشاط الاحوازيين على شبكات التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة يجد أن معظم هذه النشاطات هي محاولات شعبية حثيثة لاستذكار المواقع والحوادث التاريخية التي سبقت قدوم الأقوياء وبدأ جريمة تزوير التاريخ الاحوازي.
أن الانتصار الفارسي في الاحواز والذي خلف عدة انتصارات لصالح الفرس وعلى حساب العرب لن يأتي دون وجود قوة مادية،هذه القوة التي أغتر بها المنتصر الفارسي وإستهان بمزايا خصومه الاحوازيين الذين رفضوا وبشدة وجود الأجنبي على أراضيهم.
وبالرغم من الحشد العسكري لقوات القزاق والتنسيق الخفي لرضا خان البهلوي مع المستعمر الانجليزي و المباركة الشيعية التي كان قد حصل عليها رضاخان من الحوزة العلمية ومراجعها في النجف لم ينجح الفرس في اذلال الشعب العربي الاحوازي حيث استقبل الاحوازیون قوات القزاق بأهزوجة “ردْ مالك معشر ويانه” وتكررت هذه الأهزوجة بصيّق مختلفة طيلة عمر الاحتلال و آخرها حين انتفض ابناء الاحواز في الخامس عشر من نيسان/ابريل من عام 2005م حيث كانت أهزوجتهم الجديدة:
” الاحواز إلنه وما ننطيها..طهران الکم لعبوا بیها”.
فاستمرار وجود الأجنبي و احتلاله لموطننا لم يكن مرحبا به ولم يأتي من باب التفاوض والحوار كما حاول المحتل الفارسي ايهام العالم وخداعه بطبيعة اسقاط الحكم العربي و سلب السيادة العربية من الاحوازيين بل كانت ولا تزال القوة وحدها سيدة الموقف وهذه القوة هي من تكفلت ببقاء هذا المحتل وتركه جاثما على صدورنا حتى الان ولطالما القوة هي سلاح العدو و هي من تميّزه علینا فمن المؤكد أن القوة المادية لن تبقى رهينة الفرس للأبد، فلابد وأن يأتي اليوم الذي تختل فيه موازين القوى لصالح شعبنا ويكتب الاحوازي تاريخه المجيد من جديد.
هناك حقيقة تاريخية يعرفها الكثير من متابعي التاريخ الفارسي و هي أن جريمة التزوير لدى الفرس لم تقتصر على تزوير تاريخ الشعوب والحكام المغلوبة لهم بل حكام الفرس وعلى مر التاريخ قاموا بتزوير ومسح تاريخ من سبقهم من الحكام والأمم ولهذا لم نجد في بلاد الفرس اي اثر تاريخي ينسب لوجود شعوب اخرى كانت هناك وكأنما الجغرافيا التي تعرف اليوم باسم إيران خصصت للفرس وحدهم و استوطنها الفرس منذ قديم الازل، في حين الدراسات التاريخية تثبت عكس ذلك والفرس هم آخر من وصل الواحات الإيرانية من الشعوب حيث سبقتهم شعوب كثيرة خاصة العیلامیون الذین امتدت حضارتهم علی مساحات واسعة من الخارطة الإيرانية الحديثة ولكن المستشرقين من اليهود نسبوا معظم الآثار التاريخية السامية للفرس بدافع الانتقام وتجريد العرب من العمق الحضاري التاريخي ونجحوا في ذلك.
لم أستغرب شخصيا عندما سمعت عن تدمير مقبرة الأمير الاحوازي الشيخ خزعل بن جابر في النجف على يد عصابات فارسية بعد احتلال العراق،كما استهدفت هذه العصابات تمثال الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور في ما بعد.
عندما انتصرت الثورة الإيرانية عام 1979م وسقط النظام البهلوي سرعان ما ذهبت الجرافات وبأوامر مباشرة من قائد الثورة الخميني باتجاه منطقة شهر ري وذلك لازاحة قبر المقبور رضا خان البهلوي الذي أصبح اثرا بعد عين وهذه هي سياسة الفارسي عندما ينتصر.
والشيخ خزعل هو الأمير العربي الذي تعرّض لأكبر مظلمة وعملية تشويه وتزوير فارسية حتى الان،لم يكتفي الفرس باحتلال بلاد هذا الامير العربي واستغلال ثرواته و تجويع شعبه فحسب بل عملوا بمنهجية لمسح كل معالم العروبة من الاحواز وتغيير وجوه الناس فيها وتركيب أقنعة وألسنة إيرانية كما قال الشاعر العراقي مظفر النواب في قصيدته المعروفة بوتريات ليلية، كما اتفق الفرس بمختلف مشاربهم الفكرية أن يعملوا على تشويه سمعة الأمير خزعل وازالة مجده طيلة العقود الماضية.
فالشيخ خزعل الذي خاطب بكل جرأة جنرالات الجيش البريطاني بعد الانتهاء من العرض العسكري الذي قامت به القوات البريطانية نهاية عام 1916م فی المحمرة وقال :«من الجيّد أن نرى هذه العلوم من خلال العرض العسكري لكننا نتطلع ونتمنى أن تحل علوم السلام مكان علوم الحرب والدمار في المستقبل» يصبح فيما بعد اسير لدى جندي فارسي امي أتى به الانجليز بعد ما كان يعمل سايس خيل بالسفارة الهولندية في طهران وتحتل بلاده ويقهر شعبه لأنه كان يتطلع ويتمنى أن تحل علوم السلام مكان علوم الحرب والدمار!.
المقبور رضا خان بجانب نجله محمد رضا البهلوي في زيارة له لموقع تاريخي يعود للعيلاميين ولم يمت بأي صلة للفرس لكنهم نسبوه لهم.
يتبع..
حامد الكناني
المصدر :موقع كارون الثقافي