الاختراق الهُوِيّاتي الإيراني للبحرين
انعكست الثورات العربية على الهُويّة في دول مجلس التعاون الخليجي، بشكلٍ غير مباشرٍ عبر ارتدادات تلك الثورات من جهة، وبشكلٍ مباشرٍ عبر إعادة تمظهر الهُويّات المذهبية (الشيعية) فيها، كنتيجةٍ للعامل الخارجي (الثورات، الدعم الخارجي)، من جهةٍ أخرى.
غير أنّ الفعل الاحتجاجي الذي تمّ في البحرين تحديداً، سرعان ما اتخذ طَابَعاً مذهبياً، باعتماده على عنصرٍ هُويّاتيٍّ أقلويٍّ واحدٍ (مذهبي-شيعي)، في مواجهة السلطة والمجتمع معاً، ساهمت عوامل داخليةٌ وخارجيةٌ في تشكيله وإخراجه بالصورة التي تمظهر فيها. وإن حمل مطالب بدت مشروعةً في لحظته الأولى، لناحية تحسين المستوى المعاشي والمشاركة السياسية، إلا أنّ ارتباطاته الهُويّاتية الخارجية (مع إيران) أفقدته شرعيته الثورية، وأخرجته عن مساره الوطني.
إذ عملت نخبٌ مذهبيةٌ على إعلاء شأن الهُويّة الفرعية في مواجهة الهُويّة الوطنية الجامعة، ضمن برنامجٍ سياسيٍّ يتجاوز حدود المطالب المبدأية (العدالة والمساواة والمشاركة)، إلى مشروعٍ سياسيٍ يرتبط بشكلٍ مباشرٍ بالقوة الإقليمية المذهبية (إيران)، عبر أدلجة المجتمع الشيعي وتوظيفه في سبيل هذا المشروع، وتكسير الروابط المجتمعية لصالحه (1).
أولاً- الأطماع الإيرانية في البحرين:
تعود الأطماع الإيرانية في مملكة البحرين، إلى عام 1927، حين أثارت إيران موضوع تبعية البحرين لها في مجلس عصبة الأمم. كما حاولت طيلة الفترة السابقة لإعلان قيام الدولة البحرينية، عرقلة كافّة الجهود السياسية والاقتصادية لإعلان البحرين دولةً مستقلةً ذات سيادة. إلاّ أنّ فشلها في احتلال دولة البحرين، دفعها إلى استخدامات أدواتٍ بديلةٍ منذ ثورة 1979 الإيرانية، عبر الاعتماد على العنصر المذهبي في اختراق المجتمع البحريني، وتجييشه في مواجهة الدولة، والتركيز على الانتماء الفرعي “الشيعي” في مواجهة الانتماء الوطني.
ووجدت حكومة نجاد، مدخلاً كبيراً لها، لاختراق البنية المجتمعية البحرينية مع انطلاق الثورات العربية، عبر توسيع الدعم السياسي والإعلامي للمجموعات الشيعية المناهضة للدولة والموالية لإيران.
من ذلك ما أكّدته وزيرة الإعلام البحرينية من تعرُّض بلادها إلى حملةٍ إيرانيةٍ كبيرة تهدف إلى زعزعة استقرارها، عبر بثّ الإشاعات والمعلومات المغلوطة التي تسيء للمملكة. وذكرت الوزيرة أنّ إيران تستغل الوجود الشيعي في البحرين بتياره السياسي، للعبور من خلاله إلى شبه الجزيرة العربية؛ تنفيذاً لمشروعها التوسعي التاريخي. وأضافت أنّ هناك أشياء مريبةً تجري في المنطقة بأسرها وليس في دول الخليج العربي وحدها، مشيرةً إلى وجود مشروعٍ ضخمٍ يهدف لتفتيت المنطقة.
إذ شخّصت الحركة الاحتجاجية في البحرين، والثورة في اليمن وسورية، تفاعل القوى الدولية والإقليمية جيوستراتيجياً بشكل واضح، وذلك لأسبابٍ تتعلق بأهمية الموقع الجغرافي لهذه الدول، وبتقاطعات وتباينات النفوذ الاستراتيجي للفاعلين الاستراتيجيين وحضورهم. وبلورت احتجاجات البحرين انقساماً واستقطاباً دغدغ محدداتٍ طائفية؛ حتى ضمن الإقليم (الخليج العربي). وتبنّت إيران تبنياً واضحاً الاحتجاجات في البحرين، ليقع توظيفها ضمن المنافسة والمشادّة مع دول مجلس التعاون الخليجي، ولاسيما السعودية. وأكدّ حماس القيادة العراقية بقيادة نوري المالكي -رئيس الوزراء السابق- والتيار الصدري للتحركات في البحرين، الشكوك بشأن طبيعة الموقف الإيراني من البحرين (2).
فيما أنتج التفكير السابق مقاربةً خليجيةً موحّدة، بالوقوف ضدّ الحركة الاحتجاجية في البحرين؛ خاصّة عندما أخذت لبوساً طائفياً. فقد نظرت إيران إلى الاحتجاجات في البحرين على أنّها فرصةٌ لتعزيز نفوذها في دول الخليج العربي؛ وذلك بناء على تقاطعاتٍ مذهبيةٍ مع المعارضة البحرينية التي تقود الاحتجاجات سياسياً. كما رأت أنّ نجاح الحركة الاحتجاجية في تحقيق أهدافها، سيمنحها قاعدة نفوذٍ جيوستراتيجية في الشريط الساحلي العربي من الخليج. وأمام هذه المخاوف الجيوستراتيجية؛ بلورت دول مجلس التعاون الخليجي تدخلاً عسكرياً لقوات درع الجزيرة، فأفقدت بذلك الحركة الاحتجاجية زخماً متصاعداً، وفتحت صفحة من التوتر والتشابك الجيوستراتيجي مع إيران، امتد إلى ساحات أخرى كما في اليمن وسورية (3).
إذ شكل الدفع السعودي السريع نحو تفعيل قوات درع الجزيرة، والمشاركة بها في صيانة أمن البحرين ظاهراً، والتصدي للمشروع الإيراني بشكلٍ أعمق؛ مقاربةً خليجيةً أمنيةً استراتيجية، عبر إدراك الاستغلال الإيراني للعنصر المذهبي لتحركات الشوارع في منطقة الخليج العربي. كما شكّل استعراضاً محدوداً للقوة، دفع إيران لإدراك حجم القدرة الخليجية على حماية أمنها، وخاصّة أنّه ترافق مع تدخل سعودي-خليجي مباشر في المسألة اليمنية بغية إيجاد حلٍّ سلميٍّ يمنع تطور الأزمة إلى بعدٍ دولي، وخاصّة في ظلّ المحاولات الإيرانية لإعادة تفعيل نفوذها في اليمن من خلال الميليشيات الحوثية.
وفيما يعتمد النظام الإيراني على آليات العنف والإقصاء والتصفية تجاه القوميات غير الفارسية في إيران، في منعٍ كليٍّ للمطالبة بأيّة حقوق لها في أقاليمها التي هيمنت عليها السلطات الفارسية؛ فإنّه في المقابل من ذلك، قام بـ “تحذير” و “تهديد” الحكومة البحرينية في عدّة مناسبات، فيما يتعلق بالشؤون البحرينية الداخلية، باعتبارها “وصية” على أتباع المذهب الشيعي، وكونهم خارج الإطار الوطني لدولهم، بل هو إقرارٌ بتبعتيهم السياسية للنظام الإيراني.
من ذلك، تحذير مساعد وزارة الخارجية الإيرانية للشؤون العربية والافريقية، حسين أمير عبد اللهيان، من تداعيات مداهمات قوات الأمن البحرينية لمنازل رجال الدين والمراجع، ودعا المنامة إلى الاعتذار عن اقتحام منزل الشيخ عيسى قاسم أو انتظار ردٍّ لا تتوقعه. وقال عبد اللهيان إنّ نظام المنامة “قد تجاوز الخطوط الحمر لدى المسلمين”، مستنكراً اقتحام منزل المرجع الديني في البحرين، الشيخ عيسى قاسم، من قبل قوات الأمن. وأضاف المتحدث الإيراني: “بعض الأطراف في النظام البحريني قد تجاوزت الخطوط الحمر للعالم الإسلامي والمسلمين الشيعة، إذا لم تعتذر عن هذا الإجراء غير اللائق، فعليها أن تنتظر رداً غير متوقع”، ورأى أنّ مداهمة منزل قاسم “أكبر من التطورات الداخلية للبحرين وأنّها مرتبطةٌ بالعالم الإسلامي (4)“.
وتدرك إيران، أنّ تعزيز آليات مجلس التعاون الخليجي، وإيجاد مزيد من التقارب بين هذه الدول، وتوحيد رؤاها الأمنية، يشكل نهايةً لأطماعها في منطقة الخليج العربي كلية، ويهدّد وجودها في مناطق عربية أخرى. وخاصّة إذا ترافق بثقلٍ عسكريٍ وسياسيٍ سعودي. من ذلك مشروع الاتحاد بين دول الخليج العربي الست، والذي تسعى إيران لإجهاضه، عبر إحداث اختراقات سياسية في حكومات بعض دوله.
إذ لا زال مشروع الاتحاد بين السعودية والبحرين يثير حفيظة المسئولين الإيرانيين، الذين سارعوا إلى انتقاد المشروع الذي يهدّد مخططهم الساعي لقلب نظام الحكم في مملكة البحرين، عبر دعم الاحتجاجات وأعمال الشغب الشيعية. وفي أحدث هذه التدخلات الإيرانية في الشأن الخليجي، اعتبر رئيس مجلس الشورى في إيران علي لاريجاني أنّ “البحرين ليست لقمة سائغة بإمكان السعودية ابتلاعها بسهولة والاستفادة منها”. ووصف هذا النوع من الممارسات بأنها تثير الأزمات في المنطقة، قائلاً: “إن هذه التصرفات البدائية في الظروف الراهنة في المنطقة لها تأثيراتٌ سيئةٌ على هذه الدول التي تتعامل مع هذه القضايا (5)“.
من جانبه، خاطب النائب حسين علي شهرياري -ممثل أهالي مدينة زاهدان ورئيس المجلس – بقوله: “كما تعرفون فإنّ البحرين كانت المحافظة الرابعة عشرة في إيران حتى عام 1971، ولكن للأسف وبسبب خيانة الشاه والقرار السيئ الصيت لمجلس الشورى الوطني آنذاك، فإنّ البحرين انفصلت عن إيران .. إذا كان من المفترض حدوث أمرٍ ما في البحرين، فإنّ البحرين من حقّ الجمهورية الإيرانية وليس السعودية (6)“.
ونقلت وكالة أنباء “مهر” عن بيان أصدره 190 نائباً من أصل 310 في مجلس الشورى الإيراني أنّ “هذه الخطوة غير المنطقية، لاشكّ ستؤدي إلى تعزيز الانسجام والاتحاد بين الشعب البحريني في مواجهة المحتلين، وستنقل الأزمة البحرينية إلى السعودية، وستدفع المنطقة إلى فوضى أكبر (7)“.
ثانياً- الحضور الشيعي في البحرين:
تختلف نسب الحضور الشيعي في دول الخليج العربي، إذ تعتبر البحرين الحاضن الأكبر لهذا الحضور، غير أنّ تبايناً شديداً وقع في تحديد نسبتهم فيها، إذ وجد تقرير “الحرية الدينية في العالم” الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 2006 أنّ نسبة الشيعة في البحرين تقارب 70% وهي ذات النسبة التي توصل إليها مركز ابن خلدون عام 1999. غير أنّ دراسة (لم تحظ بكثير من المصداقية) أعدّها منصور الجمري في ذات الفترة توصلت إلى أنّ هذه النسبة تقارب 60%، بناء على المعطيات الانتخابية، وهو ما دفع مؤسسات غربية إلى تفنيد تلك الإحصائيات، والتأكيد على ألّا أغلبية سكانية في البحرين لأيّ من السنة أو الشيعية. وهو ما يتّفق مع إحصائيات أخرى ترى أنّ نسبة العرب السنة 45% من السكان، وهي ذات النسبة للعرب الشيعة، فيما يشكل ذو الأصول الإيرانية 8% وثلثهم من السنة. وذلك بناء على ما خلُص إليه رئيس تحرير مجلة “سنترال يوروبيان” للدراسات الدولية والأمنية ميتشل بيلفر (8).
ووفق المؤشرات المهنية في القطاعات الحكومية والخاصة، تتبيّن المساواة الاقتصادية مع كافة فئات المجتمع الأخرى، سواء لناحية نسب العمل، وتوزّع العمالة، ومستوى الدخل، وذلك بشكل عام. غير أنّ تلك المؤشرات تختلف في الكويت والبحرين، لناحية الهيمنة الشيعية المبرمجة، على عدد من قطاعات الأعمال، حتى باتت شبه محتكرة للطائفة الشيعية (المواطنين والإيرانيين)، في تمييز واضح حسب الهوية الدينية (9).
ويتباين الحضور السياسي للمذهب الشيعي ما بين دول مجلس التعاون، إذ تغيب آليات العمل السياسي المجتمعي في معظمها، دون تمييز لناحية المذهب، بل يقتصر نشاطها على الجمعيات الأهلية المحلية. ويستثنى من ذلك كل من البحرين والكويت، لناحية اتساع الدور المجتمعي على المستوى السياسي والبرلماني منذ إنشاء هذه الدول. متخذاً في الحالة الشيعية، الهوية المذهبية أساساً للعمل السياسي، ضمن إطار تيار الإسلام السياسي، الذي يقوم على المزج بين الديني والسياسي في نشاطه.
وتبدو التشكيلة السياسية الشيعية في البحرين أكثر اتساعاً من خلال عدد الجمعيات السياسية –الأحزاب- ومن أبرزها: (حزب الله البحريني، جمعية الوفاق الإسلامية، حزب الدعوة الإسلامي، جماعة السفارة، المجلس العُلَمَائِي، جمعية الرسالة الإسلامية، جمعية الرابطة الإسلامية، جمعية التوعية الإسلامية، جمعية آل البيت، حركة حقّ، تيار الوفاء الإسلامي، حركة خلاص). والتي تتباين في أهدافها وولاءاتها، ما بين الوطني منها، والتبيعة المطلقة لإيران. كحزب الله البحريني الذي يُعتَبَرُ الجناح العسكري لــ “الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين”، وقد تأسّس في منتصف ثمانينات القرن الماضي بالتنسيق مع المخابرات الإيرانية، ويعمل على تحقيق جملة من الأهداف صاغها في بيانه التأسيسي، ومنها: إسقاط حكم آل خليفة، إقامة نظام شيعي موافق للنظام الثوري الخميني في إيران، تحقيق استقلال البلد عن مجلس التعاون الخليجي، وربطها بالجمهورية الإيرانية (10).
ثالثاً- تثوير الشيعة في البحرين:
وجد هذا التمظهر المذهبي في الخليج العربي، بيئة متوترةً غير مستقرةٍ أحدثتها ثورات الربيع العربي، حتى يتمّ إعادة إنتاجه وفق مفاهيم ثورية تنساق مع الإطار العام للحدث العربي الكلي، مَشغُولٌ عليها داخلياً لأسباب محقة لناحية المبدأ (رفع المستوى المعاشي، مزيد من العدالة المجتمعية، مزيد من المشاركة السياسية..)، ومَشغُولٌ عليها أيضاً بشكل تحريضيّ من الداخل من جماعات وجدت المجال أمامها مناسباً لطرح مشاريع تعتبرها ما بعد وطنية (إسلاموية)، فيما حقيقتها تبقى دون أو قبل وطنية تفتيتية (عصبوية مذهبية). كما اشتُغِل عليها خارجياً إيرانياً.
وأدى انزياح الثورة في سورية تحديداً عبر نظام الأسد إلى حرب مذهبية يشنها وحلفاؤه، وإنتاجها لفصائل مضادّة لها في المذهب منساقَةً في تلك الحرب، وكذا تمّ تصوير الاحتجاجات العراقية، عدا عن الصراع العلمانوي-الإسلاموي في تونس ومصر، أدّت جميعها إلى تعزيز خطوط الفصل المذهبي في بيئات مجاورة لهذه البيئات، وتحديداً في دول الخليج العربي واليمن.
لذا، حين تمّ تحويل الطائفة الشيعية إلى جماعة سياسية في دول مجلس التعاون الخليجي على يد نخبها، فإنّها بذلك، بحثت عن ارتباط هُويّاتي خارجي يعزّز مساراتها السياسية، عوضاً عن الاشتغال على المسارات السياسية التقليدية، بعيداً عن المعتقدات الدينية. لكن اضمحلال المشروع المجرّد من العامل الديني، دفع هذه المجموعات إلى استقدام الدين أو المذهب، في مواجهة الآخر (السلطة)، بحثاً عن شرعية لم تُشكِّلها لهم الآليات التقليدية. وبذلك فتحوا المجال لأن يُوسموا لاحقاً بالتبعية لإيران سياسياً، بعد تبعية دينية تنقّلت من النجف إلى قم إثر الثورة الخمينية.
إذ دفعت القوى الجديدة، نحو مذهبة التحرك، مفقدة إيّاه كلّ شرعية كان من الممكن التحصّل عليها سياسياً، ضمن مسار الميثاق الوطني كأساس، والدفع نحو معادلة صفرية، يكون أحد طرفيها منتصراً كلياً، والآخر خاسر كلي. وتمثّل ذلك بطروحاتها التي ذهبت بعض القوى السياسية إلى مناصرتها، حول إسقاط النظام الملكي نهائياً، وبناء نظام جمهورياني إسلاموي يلتزم بالرؤية الخمينية ويرتبط بها عقائدياً وسياسياً وتنظيمياً، في مواجهة الآخر (السني).
وقد ساهم في عملية الحشد والأدلجة تلك، كبار الشخصيات الدينية داخل البحرين وخارجها، في حالة شعبوية قادرة على إذكاء عداء تمّ تأصيله في الطائفة الشيعية، وتحويله إلى انفجار شيعي عام في البحرين، كمقدمة لانفجار أكبر في الخليج العربي ككل. وإن كان المجموع الشعبي الشيعي قد تحرك وفق تلك الإملاءات الدينية لا السياسية، بل كانت الشعارات السياسية ذات وظيفة خارجية إعلامية أكثر منها هدفاً منشوداً؛ فإنّ الرموز التي سعت إلى الدفع به، كانت بدورها تحمل بعدين في ذلك، يتمثل الأول في بعد مصلحي خاص بها، والثاني أوامري تلتزم به عقائدياً هي الأخرى، من قبل آيات الله في إيران.
ويظهر ذلك، من خلال إصرار ائتلاف شباب 14 فبراير على فكرة “الدفاع المقدس” في مواجهة السلطة والشارع السني، وليغدو الأمر حالة “جهاد” في مواجهة عدو تاريخي وديني. ويجيز بالتالي إقصاء الآخر وإلغاءه وجودياً في سبيل مشروع أبعد من سياسي، ضمن اشتباك إقليمي يسعى إلى إعادة تشكيل المنطقة بأسرها وفق ولاءات دينية فحسب.
ختاماً، فإنّ الانكفاء الإيراني المرحلي عن البحرين، لا يعني بالنتيجة إنهاء المطامع الإيرانية تجاهها، وخاصّة مع مرحلة المهادنة التي أطلقها الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني. في مقابل الدفع نحو تدعيم أمني خليجي أكثر اتساعاً وشمولاً للساحة البحرينية، يشمل البحث في سبل إنشاء تحالف فدرالي أو كونفدرالي بين السعودية والبحرين، تحتفظ كل منهما بكيانها وبشؤونها الداخلية، كإحدى أدوات الضبط السعودي للانفلاتات الأمنية داخل البيئة الخليجية.
ودون أن يعني ذلك انكفاء المشروع الإيراني في الخليج العربي، وخاصة مع استمراريته في الجبهة السورية، عبر صفقات دولية، منها الكيماوي السوري والنووي الإيراني والحرب على تنظيم داعش، لإحكام السيطرة على مداخل جغرافية تحيط بمنطقة الخليج العربي.
هوامش:
(1) للمزيد حول الدور الإيراني في احتجاجات البحرين، انظر: عبد القادر نعناع، “أبعاد الدور التدخلي الإيراني في دول الخليج العربي: الكويت والبحرين نموذجاً”، في: مجموعة باحثين، الأمن القومي الإماراتي والخليجي والجزر الإماراتية المحتلة (دبي: مركز المزماة للدراسات والبحوث، الطبعة الأولى، 2014). وانظر كذلك: عبد القادر نعناع، “أثر الثورات العربية في نزعات الهوية المذهبية: الحركات الشيعية في دول الخليج العربي نموذجاً”، في: مجموعة باحثين، الخليج العربي ومخاطر الإسلام السياسي الصفوي: الوجه الآخر للإخوان المسلمين (دبي: مركز المزماة للدراسات والبحوث، الطبعة الأولى، 2014).
(2) “التوازنات والتفاعلات الجيوستراتيجية والثورات العربية”، تحليل سياسات (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، نيسان/إبريل 2012، نسخة إلكترونية)، ص 11.
(3) المرجع السابق، ص 12.
(4) عيسى قاسم، “إيران تهدد البحرين على خلفية اقتحام منازل رجال دين وتطالبها بالاعتذار”، 18/5/20133، موقع البوابة، www.albawaba.com.
(5) “نائب إيراني: البحرين من حق إيران وليس السعودية”، 15/5/2012، مفكرة الإسلام، http://www.islammemo.cc.
(6) المرجع السابق.
(7) المرجع السابق
(8) للاطلاع على الدراسة حول تفنيد قضايا الاضطهاد المذهبي والنسب السكانية في البحرين، وفق مؤشرات علمية تعتمد على الحضور في المؤسسات الحكومية والخاصة، انظر: “بحث غربي: لا أكثرية سنية أو شيعية في البحرين والتمييز الاقتصادي ضد السنة”، صحيفة أخبار الوطن البحرينية، العدد 2719، السنة الثامنة، 21/5/2013، ص 4.
(9) للاطلاع على التمييز المهني في القطاعات الخاصة والتوسع الشيعي والإيراني في الكويت والبحرين، انظر: “بحث غربي: لا أكثرية سنية أو شيعية في البحرين والتمييز الاقتصادي ضد السنة”، مرجع سابق. وانظر كذلك: مقابلة مع النائب مبارك الوعلان على قناة العربية، 27/3/2011.
(10) للمزيد عن التشكيلة الحزبية والسياسية الشيعية في البحرين، انظر: “الاحتجاجات والحركات الشيعية في البحرين جدلية المواجهة والصراع”، موسوعة الرشيد، 20/4/2012: http://www.alrashead.net/index.php?partd=24&derid=1836.
عبد القادر نعناع
كاتب وباحث سوري
مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث