المثقف عندما يكون ثائراً
اتخذت شركة الشرقية البريطانية استيراد الأفيون من الهند الى الصين حيث كانت آنذاك الدولة البريطانية هي من تسيطر على الهند، دعما لتجارتها وتوفير ثمن ما تشتريه من الشاي والخزف الصيني وابقاء الشعب جامداً حتى لا يعارض سياستها. واذ كانت ثمرة هذه السياسة البريطانية، انشاء قاعدة تجعل المجتمع الصيني في سبات تخدير الأفيون، فدخل الشعب نتيجة السياسة البريطانية في سبات الادمان. فانتشر الادمان في الصين اكثر وأكثر حتى سنة 1949، وعند بروز الثورة الماوية تشكلت سلطة سياسية في خدمة الشعب لأول مرة في تأريخ الصين فدعت المدمنين الفقراء ليتركوا الادمان وينهضوا في سبيل مجتمع راقٍ وتوحيد الصفوف بين الجماهير ضد المدمنين والمدمنات ومن ثم بذلوا جهداً كبيراً لتنبيه أطفال المدارس، وساندت الثورة المنددة للأفيون الصحف والاذاعات حتى ظهر نقاش الاصلاح بارزاً بين الزوج والزوجة والطفل ووليّه وتحركت الثورة ضد الشبكات التجارية التي تزود المجتمع بالمخدرات وبالتالي بدأ شُح الأفيون ملموساً وصار الحصول عليه أمراً مستحيلاً، لذلك اختلفت الصين عن الصين ماقبل 1949 الى الصين الجديدة المبدعة.
فالمضاهي لما ذُكِر أعلاه، هو المجتمع المضطجع في فراش تخدير التخلف العميق، فماذا يحتاج كي يخرج من ادمان التخلف اذا لاحول ولا قوة له؟ كيف ينجو المجتمع من مياه بحر التخلف كي لا يغرق فيموت؟ فهو حين ما يجهر بصوته ليوصل صوته الى من هو اقدر واكبر منه سلطة وهي نفسها من توظف موظفيها لتخلفه، فماذا يعمل؟.فنحن رأينا في الخطوط السابقة الذكر على ان حصلت ثورة سياسية ثم اجتماعية أخرجت الاستعمار وثارت على السلطة الموالية له ومن ثم دعت المجتمع لترك ادمان المخدرات ليصبح مجتمعاً انتاجياً لا استهلاكياً صينياً.
فكيف تُخلْق هذه الثورة لتخرج المجتمع من سبات التخلف، فالمجتمع الصيني ثار على الاستعمار ثم السلطة ثم ادمان المواد المخدرة، وفي هذا المقال البسيط تتكلم سطوره عن ادمان التخلف في ظل سلطة تريد التخلف سائداً كي تحكم، فكيف ان يُعالج هذا الداء الموائم للادمان؟ فاذا كانت المواد المخدرة تتعاطى يومياً فالتخلف المنغرس في العقول يمسي ويصبح مع من يحمله ويؤثر حتى في أحلامه ويؤخذ بعين الاعتبار في المستقبل ليبات الخطر المجهول المخيف.
فكثير من الأحيان يأتي دور المثقف بارزاً في ظل هكذا ظروف، أي تحت حُكم سلطة قمعية تروج التخلف في سبيل حكمها، لكن يكون بمثابة شمعة نضيء الطريق وتنوره لغيرها وهي تذوب فتنطفئ أو أشبه ما يكون بالشمس حين ما تشرق في الصباح وتغيب في المساء بفعل فاعل، فهي تضيء النهار وتدمس الليل بغيابها.وهذا الكائن الحي عند ظهوره في مجتمع داخل في سبات تخدير التخلف كالطبيب في خيمة نُصبت في ميدان الحرب لمعالجة الجرحى، فهو قد يخشى قصف العدو لكن مبدأه ومهنته تمنعه من ترك ساحة معالجة الجرحى، وقد يكاد ان تحصل عنده حالة يعرف كيف يداويها لكن ينقصه الدواء.وهذا حال المثقف حين ما يريد ان يعالج المجتمع في دولة أستبدادية قمعية، فما يكاد ان يعمل في سبيل تنوير المجتمع حتى تصب الحكومة التي تمثل الدولة جام غضبها عليه وتعتقله ثم تعذبه أو يكاد ان تقتله دون رحمة.
وبالتالي حين ما يصدق القول على المثقف «المثقف الثائر» يعمل مالا يعمله العوام والمتعلمون، فعليه ان يكون كالقاعدة التي تنطلق منها صواريخ الوعي في المجتمع ليكسر جليد التخلف الجامد، فالمثقف لا يمكن ان يكون داعية يخشى ردود الشعب واتخاذ موقف منه، فمهمته تتطلب اليقظه والاهتمام لتوعية الشعب بشتى أنواع الطرق ورفض المضي قدماً خلف الباطل أو الأفكار المروجة له، وهكذا يتطلب هذا المفهوم، أي الثقافة، مما يحمله من التزام وطاقة عقلية متحركة منتجة للأفكار الوقائية ليكافح كل عدوى التخلف التي تصيب المجتمع، هذا وكي يصدق عليه قول المثقف الثائر.
مهدی الیاسرِي
المصدر:موقع تراث العرب