الأحواز شوكة في الخاصرة الفارسية
قضية الأحواز قديمة ولم يتم حلها عبر العقود الماضية، وقد ورثتها الثورة الإسلامية وأضافت إليها من السوء التوسعي ما جعلها أكثر تعقيدا.
الذين يقودون السيارات يجدون مكتوبا في المرآة تحذيرا يشير إلى أن “الأجسام على المرآة ليست كما تبدو عليه في الواقع”، ذلك يتجه بنا دوما إلى الحالة الإيرانية، وأجد أن إيران تحل محل ذلك التحذير، إذ لا تبدو على ما هي عليه. حقوقيا أحد أسوأ الأنظمة الاستبدادية القمعية، سياسيا أحد أكثر الأنظمة مراوغة وخبثا، دينيا أحد أكثر الأنظمة الثيوقراطية تضليلا وانتهازية وطائفية، اجتماعيا أحد أكثر الأنظمة تمييزا وجهوية، وهي طامحة بشدة إلى استعادة الأمجاد الصفوية ما يجعلها دولة توسّعية بامتياز، وبالتالي كولونيالية لن تتردد في التعبير عن طموحاتها في التهام جيرانها كما في حالة الجزر الإماراتية، والأقاليم المجاورة لها كما في الأحواز، ثم تتشدق باحترامها لعلاقات الجوار واحترام حقوق الإنسان.
عندما نقف عند القضية الأحوازية لن يصعب علينا اكتشاف حجم المتاعب الأخلاقية التي تواجهها إيران وتتهرب منها بصورة مكشوفة، فهي تقمع الشعب الأحوازي منذ الثورة الإسلامية التي يفترض أنه كان لديها برنامجا سياسيا؛ إما عبر احتواء سلس يوفر حقوق هذا الشعب أو بالتفريق بإحسان، ولكن طبيعتها الاستحواذية جعلتها تلتهم الإقليم وتتعامل معه بفقه أمني وبوليسي كارثي يستدعي تدخلا حقوقيا يوقف الهدر الإنساني في الإقليم، ولن تحصل إيران على أمن واستقرار ما لم يحصل عليه هذا الشعب.
قضية الأحواز قديمة ولم يتم حلها عبر العقود الماضية، وقد ورثتها الثورة الإسلامية وأضافت إليها من السوء التوسعي ما جعلها أكثر تعقيدا، فهي قضية تعود إلى الوجود الفعلي للدولة الإيرانية في إقليم الأحواز، الذي ترتب نتيجة للحرب التي شنّتها الأولى سنة 1925 ضد الدولة الكعبية الأحوازية، واستمرار سوء الوضع، عملية متعمّدة تتفق مع اتجاهات الدولة الإيرانية لأن الصبغة الدينية تزيد الأمور سوءا، لأن الدين ليس الغرض منه تحقيق التعايش والتقارب واحترام الإنسان، وإنما غطاء لأقبح ما في الممارسات الحقيقية، ولذلك أكرر بأن صورة الأجسام على المرآة ليست كالواقع.
الإقليم ليس فارسيا ولذلك لا يمكن أن ينسجم مع طموحات إيران، وذلك يعني استمرار المطالبة بالحقوق وفقا لقاعدة “ما ضاع حق وراءه طالب” إلى أن ينتهي الأمر بما يتوافق مع الخيارات الأحوازية، وذلك أشبه بالشوكة في الخاصرة الفارسية، لأن الدولة لم تبذل جهدا غير القمع في استيعاب الإقليم وأهله في منظومة الدولة بما يوفر لها أمنها، وسياسة الإقليم بأي صيغ سياسية تشاركية سواء في إطار حكم ذاتي أو فيدرالي يبدو منطقيا لاختلاف جذور الأحوازيين عن بقية المكونات الديموغرافية والإثنية الإيرانية.
اطلعت على مسودة دراسة عن القضية، وفيها في السياق القانوني للإقليم نجد أن الوجود الفعلي للدولة الإيرانية ترتب نتيجة للحرب التي شنّتها ضد الدولة الكعبية، ولذلك فإن التوصل إلى حقيقة الوضع القانوني لإقليم الأحواز يفترض البحث فيما إذا كانت الدولة الكعبيّة تمثل فعلا ما يسمّى بمفهوم الدولة في لغة القانون الدولي، وإذا كانت الدولة الإيرانيّة قد غيّرت المركز القانوني لهذا الإقليم نتيجة للحرب التي شنّتها عام 1925، فإن تقييم مدى مشروعيّة هذا التغيير يفترض البحث في مدى قانونية تلك الحرب في ضوء قواعد القانون الدولي السارية آنذاك.
تضع الدراسة جملة من التساؤلات التي ترتكز إلى افتراض أنه إذا كان تغيير الدولة الإيرانية للمركز القانوني للأحواز قد أنشأ وضعا جديدا للإقليم، فلا شك أن استمرار هذا الوضع على ما هو عليه، يثير تساؤلات عديدة حول الإجراءات التي اتخذتها الدولة الإيرانية تجاه إقليم وشعب الأحواز.
إضافة إلى ذلك أثر استمرار وضع اليد الإيرانيّة على الأحواز منذ عام 1925 وحتى يومنا هذا على المركز القانوني للإقليم، في ضوء الاعتبارات المتعلقة بالإجراءات التي اتخذتها الدولة الإيرانية تجاه إقليم وشعب الأحواز، ومن حيثيات الواقع أنه منذ أن وضعت الدولة الإيرانية يدها على الأحواز، لم يشهد الإقليم الهدوء بسبب الثورات المتتالية التي قام بها شعب الأحواز، ولذلك فإن الوضع لن ينتهي حسب المرئيات الإيرانية طالما هناك طاقة دافعة لهؤلاء المقهورين الذين يتوافق معهم القول “أفعال المقاتلين من أجل الحرية لا بد وأن تنتهي إلى تحقيق تطلعاتهم
سكينة المشيخص
المصدر: العرب الندنية