الأحوازيون وتفويت الفرص
بعد سنوات طويلة من التعتيم الإعلامي المطبق على القضية الأحوازية والسكوت على الجرائم الفارسية بحق شعبها، التفت أخيرا الإعلام العربي تجاهها ولو جزئيا. وفي ذات الوقت أبدى الشارع العربي ولا سيما الخليجي تعاطفا غير مسبوق مع الشعب الأحوازي وتفهم همومه اليومية.
هذه الالتفاتة الإعلامية تجاه القضية الأحوازية وتسليط الضوء على بعض تفاصيلها، تعتبر فرصة ثمينة للأحوازيين ولا سيما الطبقة السياسية التي كانت تبحث عن مثل هذه الفرصة لإيصال صوتها. كما أن تعاطف الشارع العربي وتضامنه مع الشعب الأحوازي يزيد من أهمية هذه الفرصة ويضاعف فوائدها.
لكن هل يستطيع الأحوازيون وخاصة الطبقة السياسية والتنيظمات الأحوازية أن يغتنموا هذه الفرصة ويوظفوها بطريقة ايجابية ضد العدو الفارسي وخدمة لمصالح الشعب الأحوازي وأمته، أم أنهم سيفوتونها أو سيحولونها إلى تهديد أو تحدٍ، خاصة والتاريخ الأحوازي يشهد أن الكثير من الفرص ليس فقط لم يتم اغتنامها بل تحولت إلى تهديدات وتحديات ما زلنا نعيش بعض نتائجها؟
يذكر الكثير من الأحوازيين ممن عاشوا فترة التحول من الحكم البهلوي إلى حكم الملالي نتيجة الثورة آنذاك، انه عندما سقط نظام محمد رضا بهلوي وفقدت الدولة الفارسية السيطرة على الأحواز عام 1979 م، لم يغتنم الأحوازيون الفرصة ولم يعلنوا القطيعة مع الفرس حتى يشكلوا قواتهم الأمنية ويبنوا مؤسساتهم ويعلنوا تحررهم من الاحتلال الفارسي. إذ انشقوا عن بعضهم وتفرقوا وتشرذموا بل تعاون البعض منهم مع ممثلي الاحتلال وتعامل معهم، ظنا منه يستطيع أن يحصل على حقوقه في ظل جمهورية الفرس التي تتغطى بلباس الإسلام، كما أنه روّج لها ودافع عنها لدرجة كان جاهزا للمشاركة في قمع من يطالب بحقوقه الوطنية من الآحوازيين الآخرين الذين يختلفون معه في الرؤية حول مستقبل بلدنا السليب. فكانت النتائج كارثية على الشعب الأحوازي، إذ انقلب الفرس على شركائهم من الأحوازيين ونكثوا بعهودهم مثلما فعلت اليهود مع الرسول عليه الصلاة والسلام، ونشروا بين العرب الفرقة والتشرذم وارتكبوا مجازر عديدة بحقهم. وما زالت جريمة الأربعاء السوداء شاخصة أمامنا، وما زال إسما المجرمَين مدني وخلخالي عالقيْن في ذاكرة الأحوازيين بوصفهما رمزَين من رموز الإجرام والهمجية الفارسية ضد الشعب الأحوازي.
وبعد هذه الفرصة التي فقدها الشعب الأحوازي بل ضيعها بيده، حدثت فرصة ثانية، عندما شنت الدولة الفارسية حربا عدوانية ضد العراق الشقيق بحجة تصدير الثورة وجاء رد العراق حاسما حيث استطاع الدخول في عمق الأراضي الأحوازية. وأصبحت الكثير من الأراضي الأحوازية محررة وخارج سيطرة الدولة الفارسية، كما أن هذه الأخيرة باتت تترنح تحت ضربات الجيش العراقي وفقدت الكثير من قوتها وتمكنها في الأحواز. لم يستثمر الأحوازيون هذه الفرصة رغم محاولة البعض منهم، فكان السواد الأعظم منهم محايدا أو سلبيا و منهم من أصبح أداة رخصية بيد العدو الفارسي. ومرة أخرى فقد الشعب فرصته وبقى تحت وطأة الاحتلال الفارسي، ليس حبا ورغبة في العيش تحت مذلة الفرس بل جهلا بالواقع وعدم القدرة على استشراف المستقبل وترتيب الأولويات.
هاتان الفرصتان تعتبران من أهم الفرص السياسية التي كان من الممكن اقتناصها لصالح القضية وشعبها ولكن لم يتم ذلك. وغيرهما العديد من الفرص التي مرت على الأحوازيين مرور السحاب حتى وإن كانت بعض تلك الفرص في مستواها لم تصل لهاتين الفرصتين. بيد أن الأحوازيين لم يغتنموها وضيعوها كالسابقات.
واليوم وبعد أن تطاولت الدولة الفارسية على الأمة وأبنائها وبعد أن ظهرت على حقيقتها الطائفية والعدوانية، وكشفت عن مشروعها تجاه الأمة. التفتت بعض وسائل الإعلام العربية وخاصة الخليجية منها تجاه قضية الشعب الأحوازي وسلطت الضوء عليها، كما أن المؤشرات توحي بتسليط الضوء أكثر فأكثر في المستقبل. إضافة لذلك بعد تمادي الدولة الفارسية وإشاعة الفتنة والاقتتال بين أبناء الأمة، اكتشفت الشعوب العربية حقيقة هذه الدولة المارقة المتسترة بلباس الإسلام والمذهب، مما أدى إلى تعاطف غير مسبوق مع الشعب الأحوازي ومساندة لا يمكن تجاهلها أو تجاهل تأثيرها.
فهذه المتغيرات الجديدة والمهمة حتى وإن كانت تختلف عن الفرص السابقة ولكنها تعتبر فرصة ثمينة للشعب الأحوازي يمكنه اغتنامها وتوظيفها لصالح قضيته العادلة حتى يتخلص من عدو جثم على صدره قرابة التسعة عقود.
حتى الآن تبقى الأمور غير مسيطر عليها وقابلة للانقلاب ضد الأحوازيين. لذلك أصبح الأحوازيون أمام امتحان صعب له تأثير على مستقبلهم ومستقبل الأجيال القادمة، مثلما له تأثير على مستقبل شعوب المنطقة بما فيها الشعب الخليجي. فمن المفترض أن يثبت الأحوازيون جدارتهم في التعامل مع الواقع واقتناص الفرص وتوظيفها لصالحهم ولصالح شعوب المنطقة وضد الاحتلال الفارسي. والابتعاد عن التربص بالأحوازي الآخر والصراعات الوهمية والمفتعلة. وإلا إذا تركوا أولويات صراعنا مع العدو الفارسي واهتموا بالقضايا الجانبية، فسوف تفوت هذه الفرصة أو تتحول إلى تهديد لنا ولمصالحنا مثل الفرص السابقة وبعدها لن يفيد الندم والتبريرات ولن يجدي التمني نفعا.
ابراهيم مهدي الفاخر