الأحواز جرح العرب المنسي
في ظل أوضاع عربية مزرية، وفي أجواء انقسام وتصارع طائفي مريع ودموي في الشرق القديم والعالم العربي، تبدو انتفاضة الشعب العربي في إقليم الأحواز المحتل من قبل الإيرانيين منذ أكثر من تسعين عاما بمثابة عودة حقيقية لعصر البراءة القومية، ولحالة الانبعاث والنهضة الوطنية الشاملة التي تجتاح القطاعات الشبابية التي تربت في أحضان الحكومات الإيرانية المتعاقبة وخضعت لثقافة محورها وعمادها إلغاء الهوية القومية والتركيز على الهوية الطائفية وتجاوز كل الخصوصيات الوطنية للشعب العربي الأحوازي الذي قاوم المد الاستيطاني والعنصري وكافح ضد الفاشية والظلم وصعد شبابه المشانق كقرابين غالية من أجل الحرية والانعتاق والانبعاث الوطني في ظل أصعب الظروف، ووسط تجاهل دول العالم، وتنكر العالم العربي لذلك الشعب المسلوبة هويته رغم كونه ينام على ثروة بترولية هائلة ويشرف ويجاور العراق ويطل على الخليج العربي، لقد حاول نظام الشاه الراحل بكل ما أوتي من سبل الترغيب والترهيب (فرسنة) أو تفريس ذلك الإقليم وتحويل شعبه لمسوخ تائهة لا تعرف هويتها ولا انتماؤها منذ أن احتل (رضا شاه) الأحواز في 20 أبريل 1925 وإنهاء حكم الأمير العربي الشيخ خزعل في إمارة المحمرة، ثم تفنن النظام الشاهاني في قمع الثورات العربية الأحوازية التحررية بكل قسوة، ثم أبدع أيما إبداع في فرض تطبيق سياسة استيطانية وديموغرافية محورها تغيير الهوية الوطنية والقومية وحتى أسماء المدن والشوارع، في جريمة مسح للهوية القومية لم تحدث مع أي شعب في العالم، وحيث كان الهدف المركزي للحكم التسلطي الإيراني هو محو الوجود العربي والهوية العربية بالكامل واعتبار شعب الإقليم مجرد مجاميع ناطقة بالعربية وليس شعبا عربيا بعشائره المعروفة والمرتبطة بأصولها العراقية والخليجية!!، فالاستعمار الاستيطاني المدمر وجلب مئات الآلاف من أقوام وقوميات إيرانية أخرى وتوطينها في الأحواز ودفع الشباب العربي الأحوازي للهجرة والرحيل طلبا للرزق في دول الجوار وفرض سياسة المشانق والإرهاب الشامل، جميعها سياسات عنصرية خبيثة لم تنجح في قطع ارتباط الشعب الأحوازي بوطنه أو التنكر لتاريخه الحافل المجيد المرصع برايات البطولة والمجد والشهامة.
الشباب العربي الأحوازي قد أخذ اليوم زمام المبادرة في الداخل والخارج وتنادى لتلبية نداء الوطن السليب وتحقيقا للواجب الوطني والإنساني وأعلنها انتفاضة عارمة ضد الظلم والتهميش والإقصاء، وطغيان الآثمين الذين حولوا إقليم الأحواز العربي لبقرة حلوب لمصالحهم وخربوا معالمه وغيروا من جغرافيته وشوهوا تربته وطبيعته عبر تحويل الأنهار الأحوازية أو تجفيفها أو تطبيق سياسة تخريب ممنهجة لدفع سكان الإقليم للرحيل بعيدا وبناء المستوطنات السكانية الغريبة عن الإقليم وتراثه وعاداته وجميعنا يتذكر تلك الخطة الحكومية الخبيثة المعروفة بـ(مشروع أبطحي) لتغيير الهوية السكانية عام 1998 والتي رفضها الأحوازيون. الأحواز اليوم ومنذ سنوات مضت تعيش أجواء انتفاضة شعبية حقيقية وعارمة بلغت الذروة في الداخل والخارج، حيث يتواجد عشرات الآلاف من الشباب العربي الأحوازي يرفعون راية الحرية والاحتجاج في مدن العالم ويزرعون الدنيا برايات الحرية الحمراء المقدسة، أما في الداخل فقد تمرد الأحرار على أكفان الذل والعبودية وانطلقوا يحتجون على سياسات السلطة العدوانية ويمارسون حقهم الوطني في التعبير والمناداة بحق تقرير المصير الذي كفلته الشرعية الدولية وقوانين الأرض والسماء.
في الأحواز جرح عربي نازف منذ ما يقارب القرن يأبى الاندمال، والأحواز ملف عربي قوي وشرعي مفتوح على احتمالات واتجاهات تصب جميعها في نهر الحرية المقدس. إن الأحواز على موعد مقدس مع التاريخ، وسينجز الله وعده ولو كره الكارهون.
داود البصري
المصدر: صحيفة الشرق القطرية