كلمة الناشط الحقوقي أنور مالك في مؤتمر حركة النضال العربي لتحرير الأحواز
أيها الحضور الكرام
في البداية يسعدني أن اقدم شكري الخالص وامتناني الكبير إلى حركة النضال العربي لتحرير الأحواز، على دعوتها الكريمة التي أتاحت لنا شرف المشاركة في مؤتمرها هذا، الذي هو خطوة في سبيل الحرية والاستقلال للشعب الأحوازي.
كما أتقدم بشكري أيضا لكل الحاضرين من مختلف أصقاع العالم العربي والإسلامي، الذين هبوا لحضور المؤتمر ومشاركة إخوانهم الأحواز في نضالهم الدؤوب حتى تحرير بلادهم التي هي بلادنا جميعا أيضا من الاحتلال الإيراني العنصري الاحلالي الغاشم.
أيها الحضور الكرام
لقد شاركت في نشاطات حركة النضال العربي لتحرير الأحواز، من مؤتمرها العام الماضي هنا في لاهاي، إلى مظاهرات في الدنمارك وبروكسل، وهو بلا شك شرف عظيم لي كجزائري أنتمي لبلد المليون ونصف المليون شهيد، أجد نفسي أحد ضيوف حركة تحررية تناضل لتحرير بلد منذ 1925 ، أي ب23 عاما قبل احتلال فلسطين وصناعة كيان عبري صهيوني سموه”اسرائيل”.
لقد علمتنا ثورة التحرر الجزائرية أن الحرية لا تسترد إلا بالقوة والتضحيات الجسام، وعلمتني هذه الثورة التي تعد أبرز ثورة في القرن الماضي، أن الشعوب الحية لاتموت أبدا مهما حاول الغزاة عسكريا وسياسيا وفكريا وتربويا واجتماعيا.
فرنسا احتلت الجزائر مدة 132 عاما من 1830 إلى 1962، منها 125 سنة سبقت اندلاع ثورة نوفمبر 1954 الخالدة، ومارس المستعمر الفرنسي كل أنواع التطهير الفكري والعرقي والديني والسياسي والاجتماعي والجغرافي، وبذل ما في وسعه من أجل محو الهوية الجزائرية من إسلام وعربية وأمازيغية، غير أنه بعد مرور قرن وربع فاجأ الجزائريون الفرنسيين بثورة تجلت فيها كل قيم الهوية الجزائرية الأصيلة، وثبت للمستعمر أنه لم يفلح أبدا في تحويل الجزائريين إلى فرنسيين رغم سياسة الادماج التي مورست على نطاق واسع.
بل أنه في مجزرة 8مايو/أيار/1945 حيث أبادت فرنسا حوال 45 ألف مواطن، تبجح حينها أحد الجنرالات الفرنسيين، أن الجزائريين لن يتحركوا مستقبلا ضد فرنسا، ولكن بعد مرور 9سنوات فقط اندلعت ثورة أول نوفمبر وبعد سبع سنوات من الكفاح المسلح أخذت الجزائر استقلالها.
إنها إرادة الشعوب في التحرر التي تفاجئ دائما المحتلين من حيث لايحتسبون.
شخصيا أرى أن ذلك يتكرر في الأحواز العربية المحتلة، حيث أن الاحتلال الإيراني الفارسي البغيض، منذ تسعين عاما وهو يعمل على محو الهوية العربية عند الأحوازيين، وذلك بتحويلهم إلى فرس في لغتهم وشيعة صفوية في دينهم، غير أنه لم يفلح بل زاد الأحوازيين اصرارا على كفاح لتحرير أرضهم وعرضهم.
لقد كنت أعتقد أن الأحوازيين فقدوا لسانهم العربي المبين، ولما شاركتهم في نشاطاتهم لتحرير البلاد تفاجأت من لغتهم العربية التي هي أفضل من شعوب أخرى لم ترضخ للاستعمار الأجنبي بالصيغة التي عانى منها الأحوازيون.
أما على المستوي دينهم فقد حافظوا على إسلامهم ولم تفلح إيران حتى في احتواء كل الشيعة الأحوازيين بحكم وصاية ما تسميه “الولي الفقيه”، وطالما وصلتنا تقارير عن الشيعة الأحوازيين الذين يعلقهم المحتل الفارسي في المشانق ويتلذذ باعدامهم أكثر ما يفعل مع غيرهم.
نعم.. لقد حافظ الأحوازيون على لغتهم ودينهم وإيمانهم العميق بأن بلادهم محتلة، وأن الإيراني هو مجرد غاز لأرضهم وسوف يطرد يوما مهما طال الظلم وجثم ظلام المحتل على رقاب الأحرار وسرق منهم أشعة الشمس في رابعة النهار.
أيها الحضور الكرام
نحن نعيش مرحلة حاسمة من عمر الأمة العربية والإسلامية، حيث صرنا نشهد ثورات تشتعل هنا وهناك ضد الطغاة الفاسدين، وضد البغاة من تنظيمات فاسدة فكريا ومنهجيا، وميليشيات إيرانية تعمل على تدمير الوطن العربي، وتمزيقة بحروب طائفية نجسة.
لقد ظنت إيران أن الأرض العربية قد بسطت لحوافر ميليشياتها في العراق وسورية ولبنان واليمن والأحواز، حتى بدأت فعليا تتبختر بما تراها عودة لإمبراطورية الفرس والمجوس التي محاها من الوجود الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
نعم.. ظنت إيران أن محافظاتها لم تعد تلك التي على”جغرافيتها”، بل أنها بعد احتلال الأحواز وبلوشستان، تمكنت من دمشق عبر نظام نصيري تحول إلى مجرد محافظ إيراني عليها.
وتمكنت من بيروت بتنظيم ما يسمى”حزب الله” الإرهابي.
وتمكنت من بغداد من خلال مواليها من شيعة العراق الذين فقدوا عروبتهم وهويتهم العراقية وارتموا بكل عمالة في أحضان الفرس المنتقمين.
وتمكنت من صنعاء عبر ميليشيات الحوثيين الذين سيطروا على عاصمة اليمن السعيد واعتقدوا أن الحكم بسط لهم بما لاخيار سوى الرضوخ والاستسلام، وأن دولة اليمن صارت تحت حوافرهم ودخلت ضمن أطر ولاية الفقيه خامنئي.
بل أن إيران نسيت نفسها تماما في ظل غرورها ونرجسيتها المستمدة من عقد قومية وتاريخية ودينية وسياسية وجغرافية مما أعماها عن الحقيقة، ولم تعد تعير اهتماما للشعوب غير الفارسية التي ترضخ تحت احتلال إيراني، وبلغ بها ظنها الفاسد حتى صارت تتمدد في دول المغرب العربي الكبير، وتنصب حوزاتها بين الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا وأمريكا وبقية القارات الأخرى.
كل ذلك كان مجرد سحابة دخان عابرة، فقد ثار الشعب السوري ضد نظام إيران النصيري، وثار العراقيون ضد عملاء طهران، وثار اليمنيون ضد عصابات الحوثيين، اللبنانيون بدورهم في طريق ثورتهم ضد عصابات حسن نصر الله ومرتزقته.
لم يتوقف الأمر عند ثورات بل أن العربية بدورها بدأت تجمع شتاتها وتتجاوز صمتها وخذلانها تجاه خطر إيراني فارسي دهم على المنطقة بما يدمر ويخرب الأوطان العربية ويسقط عواصمها تباعا، وكلما سقطت عاصمة إلا وإقترب العدو الصفوي من الحرمين الشريفين في المملكة العربية السعودية.
لقد جاءت”عاصفة الحزم” في وقتها، وهاهي تعيد الحوثيين إلى جحورهم، وتبدأ في تقوية شوكة الشعب اليمني الذي يرفض أن يتحول إلى مجرد خدم لدى سدنه وكهنة طهران.
لقد أعادت “عاصفة الحزم” حمرة الخجل إلى وجوه الحكومات العربية والإسلامية، التي جعلت اليأس يتسلل إلى الشعوب، وصار الكثير منهم ينتظرون قدرهم أما غول إيراني تجاوز وحشية المغول وصار لايرحم من يخالفه في مشروعه الصفوي ولو كان شيعيا من آل البيت رضوان الله تعالى عليهم.
يجب أن تتمدد عاصفة الحزم وتتعدد وتتجدد ويتردد صداها لتشمل كل من سورية والعراق ولبنان والأحواز ايضا، وتكون تباعا لتحرير الوطن العربي والإسلامي من مشروع إيران التدميري.
أيها الحضور الكرام
إن كانت سورية هي مقبرة غزاة وبغاة إيران، الأحواز هي المشنقة لدولة الفرس العنصرية، ولذلك إن أراد العرب مواجهة ملالي طهران وتحطيم مشروعهم عليهم بدعم ثورة الأحواز التحررية والعادلة حسب كل الشرائع السماوية والبشرية والقوانين الوضعية والمواثيق الدولية.
إن كان الحوثيين هم مجرد ذراع من أذرع الأخطبوط الإيراني الجاثم على المنطقة، فإن رأسه هو في الأحواز. وإن تم بتر ذراع الحوثيين في اليمن من دون ذراع النصريين في سورية والإثناء عشريين في العراق ولبنان، فلابد من ضرب عنقه في الأحواز حتى ينتهي هذا الأخطبوط، ودون ذلك سيلملم نفسه بل سيزداد وحشية بسبب جرحه الغائر.
أيها الحضور الكرام
يجب علينا أن نقف وقفة رجل واحد مع كل من يواجهون إيران سواء في الأحواز أو العراق أو لبنان أو اليمن، فالقضية واحدة والعدو واحد والغاية بلاشك هي نفسها، فالتحرر لا يقبل التجزئة وإن كان يحتاج إلى مرحلية وتدرج في معالجة هذا السرطان الخبيث الذي ينتشر في جسد العرب والمسلمين، وما يخدم غير كيان اخر يحلم بدولة تمتد من الفرات إلى النيل وسيتحقق له مايريد إن سكت العالم العربي عن مشروع ايران التخريبي.
أيها الحضور الكرام
أعتذر على الإطالة بعض الشيء، فالوجع عميق والخطر أعمق مما نتصوره، ولكن يبقى أملنا في الله سبحانه أولا ثم في الشعوب الحية الحرة التي ستبقى تناضل حتى تتحرر من الطغاة والبغاة والغزاة.
وما يسعني في الأخير إلا أن أطمئن أهلنا في الأحواز الذين يواجهون وحشية المحتل الإيراني بعزم وحزم، بأننا معهم إلى اخر رمق من اعمارنا، فقضيتهم قضيتنا، وقضية كل الأمم التواقة للعدالة الإنسانية وحق تقرير المصير، وسنبقى نذود عن حماها بكل ما أوتينا من قوة.
بوركتم أيها الحضور الكرام وبورك ممشاكم وتبوأتم من الأحواز الحرة المستقلة مقعدا عاجلا غير آجل بإذن الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنور مالك
لاهاي في 18/04/2015