جواد ظريف.. صرح أم انفجر
” أولئك الذين يتربحون مليارات الدولارات من غسيل الأموال، ينفقون الملايين للحيلولة دون إقرار القوانين التي تستلزم مزيداً من الشفافية…”
بهذه الكلمات المحدودة والواضحة والصريحة … فجر … بل، بعبارة أدق توصيفاً للحالة، (إنفجر) محمد جواد ظريف وزير خارجية الدولة الفارسية، في وجه المحظور المقدس شرعاً وعرفاً وجبراً…فمزق هيبة (التابو) الساتر لعورة النظام الذي تدثر بعباءة الخداع وشعارات الزيف أربعون عاماً. فانطلقت من التابو – كما هو الحال في الأساطير- الأرواح الشريرة لتطالب بفقع عينيه التي رأت وقطع لسانه الذي تجرأ وفَضَحْ، وقضم إصبعه الذي اتهم وحرض… ولكن، مهلاً… فيقيني أنه ليس فوق (جواد) فارسٌ مقدام، بل الأمر كله لا يعدو كونه … (مجبر ظريف لا بطل).
محمد جواد ظريف بحكم منصبه، تقع على عاتقه قيادة دبلوماسية الدولة الفارسية. فالرجل لا يُحسد على ذلك. فمهمته قطعاً صعبة. عليه أن يُحسِّن ما استطاع من وجه النظام القبيح الذي يمثله، أو أن يُقنع العالم بالتعايش مع هذا القبح. عليه أن يبرر، عليه أن يلطِّف.. عليه أن يساوم أن يقايض… عليه أن يكذب ويكذب، ثم يكذب ويناور ليكسب زمناً يضاف لعمر نظامه المتهالك. إنه دبلوماسي من طراز خاص يجيد الرقص على جميع السلالم والإيقاعات… يتذلل عند الأمريكان. يقايض حيناً ويساوم أحياناً مع الأوروبيين. ويشتري المواقف دون عناء من روسيا والصين…يكفي للتدليل على زئبقيته أنه أقنع المجتمع الدولي، لتطبيع التعامل مع دولة شهد العالم أنها الراعية الأولى للإرهاب، ونجاحه في إنتزاع التسوية المشروطة بخصوص الملف النووي بتوقيع إتفاق لا زال يثير الجدل مع أنه لم يدم طويلاً.
بلاده قائمة على تمويل الإرهاب وعمليات غسيل الأموال (عائدات الاتجار بالمخدرات)، لا اعتراض لظريف على ذلك، بل، من المؤكد أنه يخوض مع الخائضين. وإن ظهر مؤخراً بمظهر (المومس الفاضل). فهو المطلع على المستور قبل المعلن في دهاليز نظامه. إذا كان المدعو علي خامنئي وقادة الحرس الثوري وقادة جميع الفيالق والمليشيات الإرهابية يعتبرون من رموز الإرهاب الإيراني العابر للقارات، فإن دور محمد جواد ظريف هو الحاسم في تنظيم أدوارهم، لذلك فإنه ليس غريباً أن تجد لإرهاب إيران في العراق وسوريا واليمن والأحواز والبحرين وأوروبا وباقي أصقاع العالم، مسماً آخراً…
تأزم الوضع الاقتصادي للدولة الفارسية إثر العقوبات التي فرضتها أمريكا بإحكام، ظهر في ارتفاع الأسعار، والتضخم، وانخفاض قيمة العملة وانتشار التذمر الشعبي… ثورة الجياع تنذر بالانفجار. ثمار العقوبات ينذر بسيل (عرم) لا يبقي ولا يذر…فعلى ظريف أن يجد حلولاً لكل ذلك، وإلا وضُعت جدارته بالمنصب على المحك.
المصائب لا تأتي فرادى، فالمهلة المعطاة لإيران للانضمام لمجموعة العمل المالي fatf التي تكافح غسيل الأموال وتمويل الإرهاب شارفت على الانتهاء، وظريف استنفد مناوراته في التأجيل والمماطلة.. ما عساه أن يعمل فقد اتسع الخرق على الراقع. والطلب من النظام الإيراني الانضمام لهذه الهيئة، يعني تعرية نظامه المالي وتقويض خططه الإرهابية، هذا فضلاً عن كشف حجم الفساد المالي لرموز النظام والحرس الثوري المعتمد على غسيل الأموال، أي باختصار دعوة النظام إلى الانتحار.
فلم يجد ظريف أمامه وهو واقع بين مطرقة العقوبات والضغوط الخارجية وسندان الفساد والطبيعة الإرهابية للنظام، إلا الانفجار بالتصريح بما هو محظور عليه وعلى غيره في ظل نظام ثيوقراطي متخلف يعتبر الحاكم فيه ظل الله على الأرض، حين انتقد إحجام بلاده عن تبنِّي اتفاقية معايير ولوائح مجموعة العمل المالي التي تكافح غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. قائلاً: ” أولئك الذين يتربحون مليارات الدولارات من غسيل الأموال، ينفقون الملايين للحيلولة دون إقرار القوانين التي تستلزم مزيداً من الشفافية…” إنها صرخةٌ كاشفة من دبلوماسي محنك يرى النظام بعين خبرته وهو يضيّق الأنشوطة حول نفسه، منهياً بذلك أحلام الأجيال عبر القرون.