إيران: الخطاب الإعلامي بين لغتين
خططت الحكومة الإيرانية بشكل دقيق ومبرمج وعلى مدى سنوات طويلة على المستوى الإعلامي لاستقطاب الرأي العام العربي منذ انتصار ثورة 1979 في إيران، للمضي قُدماً في سياستها وأهدافها سواء داخل البلاد وخارجها.
فعلى الصعيد الداخلي، مثلاً، لعبت وسائل الإعلام الإيرانية دوراً محورياً ورئيسياً في حشد الناس للمشاركة في الحرب مع العراق وخلقت قناعة نسبية لدى الجمهور لدعم مؤسسات الدولة والتعاون الكامل مع الحكومة في الظروف الراهنة آنذاك. بحيث لم تحدث احتجاجات شعبية ضد السياسات الحربية للحكومة في ذلك الوقت، وذلك بسبب تمكن الحكومة الإيرانية من أن تسيطر على الرأي العام بشكل مطلوب ومؤثر. وعلى الصعيد الخارجي، نجحت السياسة الإعلامية الإيرانية في مشروع تصدير الثورة بشكل مؤثر. وتمكنت الحكومة الإيرانية بمساعدة مباشرة وغير مباشرة من بعض الوسائل الإعلامية الإقليمية والغربية، من استقطاب شريحة كبيرة نسبياً من الرأي العام العربي. وأسست إيران بعض الأحزاب والمجموعات الموالية لها في بلدان عربية متعددة، تعمل كآلة ضغط على الأطراف المعنية لقبول سياسات ومصالح إيران في المنطقة.
ازدواجية الخطاب وإعمال سياسة انتقائية في سياسة تحرير الأخبار التي تخص المواقف الرسمية في إيران، هي من أهم مرتكزات السياسة الإعلامية الإيرانية التي تنشر خبراً بالموقع الناطق بالفارسية، ثم تعيد غسله ليصبح صالحاً للنشر في نسخة الموقع باللغة العربية، أو بغيرها من اللغات غير الفارسية، بحيث تنشر تقريراً أو خبراً واحداً بمضامين وصياغات مختلفة بالفارسية والعربية والإنكليزية. وفي واقع الأمر، يتم تعديل الأخبار وحتى المواقف الرسمية لشخصيات حكومية على أساس سياسة محددة للنشر باللغات العربية والإنكليزية.
ولتطبيق هذه السياسة الإعلامية، دربت إيران العديد من المحللين والصحافيين الذين يتقنون لغات مختلفة وعلى وجه الخصوص اللغة العربية، وتعمل هذه المجموعة من الإعلاميين والصحافيين بذكاء ودهاء عال في بعض وسائل الإعلام العربية في الشرق الأوسط وأوُروبا تحت عناوين غير حقيقية، وتأخذ ألقاباً مختلفة وتظهر بأسماء كتاب من أقطار عربية. بل إن هؤلاء المحللين وصلوا إلى وسائل إعلام عربية معروفة بمعارضتها للسياسات الإيرانية في المنطقة.
ويسعى الخطاب الإعلامي الإيراني إلى إبراز بعض الكتاب على أنهم ينتمون للمعارضة الإيرانية، ويكتبون بالفعل بعض المقالات ضد سياسات إيران، لكن من باب إبراز النظام في طهران بوجه نظام توجد له معارضة قوية، وهي في الحقيقة معارضة تلتقي مع النظام في الرؤية والهدف، والقصد منها ضرب المعارضة الحقيقية للنظام في الخارج والداخل.
وتسعى هذه السياسة لتحسين وجه إيران لدى الجمهور العربي، حيث لدى إيران عدد كبير من الإعلاميين العرب المحسوبين عليها الذين يسعون إلى تلطيف بعض المواقف العدائية الإيرانية التي تصدر عن طهران.
وتقوم وسائل الإعلام الإيرانية بصياغة خطاب مزدوج للداخل والخارج، وتعمل على أن تكون هناك نسخة فارسية وأخرى عربية للخبر الواحد. ومن ذلك تحريف التلفزيون الرسمي الإيراني الشهير لكلمة الرئيس المصري السابق محمد مرسي في قمة عدم الانحياز في طهران التي أيد فيها المعارضة السورية وندّد بالحكومة السورية، حيث قام مترجمو الكلمة إلى الفارسية بتبديل بعض الكلمات بحث قرىء الخبر في إيران على أن مرسي يؤيد معارضة البحرين ويندد بالنظام فيها.
كما يختلف الخطاب الرسمي الإيراني الموجه للعالم العربي باللغة العربية عن الخطاب الرسمي ذاته في نسخته الفارسية. على سبيل المثال وليس الحصر، تصف المواقع الحكومية كـ موقع ‘روحاني نيوز′ التابع لحكومة روحاني و’مهر نيوز′ و’ايسنا’ والموقع الرسمي للقنصلية الإيرانية في دبي ومواقع أخرى، تصف القنصلية الإيرانية في دبي بـ قنصلية إيران في ‘الإمارات الشمالية’، في كل طبعاتها الفارسية، غير أن النسخة العربية تتحدث عن دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتعتبر مختلف وسائل الأعلام الإيرانية في نسختها الفارسية، وعلى وجه الخصوص صحيفة كيهان التي يعين المرشد الأعلى خامنئي رئيس تحريرها، تعتبر البحرين جزءاً من أراضي إيران، بشكل واضح وصريح، ولكن هذه المواقع تكتب في نسختها العربية عن الخلاف بين المعارضة والحكومة البحرينية.
وفي الأسابيع القليلة الماضية نشرت وسائل إعلام عربية تصريحات لقائد الحرس الثوري محمد علي جعفري في الذكرى السنوية لتأسيس الحرس، نقلاً عن ‘إرنا’ العربية، غير أن كثيراً مما ورد في نسخة ‘إرنا’ الفارسية لم يظهر في النسخة العربية، ومن ذلك قول جعفري: ‘لا تقتصر مهمة الحرس الثوري التي هي الحفاظ على الثورة الإسلامية، فقط في داخل حدود إيران. لإن الثورة الإسلامية الإيرانية ليس لها حدود وترتبط مكانة وقوة إيران بشكل مباشر بالإمكانيات الهائلة والقدرة العظيمة للحرس الثوري’.
وأخيراً وليس آخراً، تصرف الحكومة الإيرانية بضع مئات من ملايين الدولارات لتغطية تكاليف سياستها الإعلامية وتبذل الحكومات العربية المليارات من الدولارات في مجال الإعلام. لكن بنظرة سريعة على الأحداث في الشرق الأوسط، يرى المتابع التفوّق الإعلامي الواضح لدى إيران الذي مكنها من أن تجتذب شريحة أوسع من الرأي العام العربي.
المصدر: القدس العربي