الجمعة – 30 ذو القعدة 1440 هـ – 02 أغسطس 2019 مـ رقم العدد [14857]
زار الرحالة المفكر والكاتب، أمين الريحاني منطقة الأحواز في أوائل العشرينات حين كانت الأحواز إمارة عربية مستقلة. والتقى خلال زيارته بأميرها الشيخ خزعل. جرت بين الاثنين أحاديث شائقة سجلها الريحاني كعادته في كتابه الموسوعي والشهير «ملوك العرب».
ترك الشيخ خزعل انطباعاً جيداً في الضيف العربي الأميركي. كتب يقول «إنه غني حكيم كريم معاً. فهو برمكي في كرمه وفي ذوقه وفي أدبه. يحب اللهو والغناء حبه للأدب والشعراء. إن للشيخ خزعل ذوقاً إنسانياً فلا ينفر من غير القبيح والدميم».
لا أدل على هذا الكلام من قوله للريحاني: «لو كان لي أن أرجع بعد الموت إلى هذه الأرض لما أحببت أن يكون ذلك إلا عندما تصبح لا أثر فيها للتعصب الديني. الإنسان أخو الإنسان أحب أم كره ذلك».
زاره الريحاني عندما كان يعاني من وجع الأسنان، فقال لضيفه: سمعت الناس يشكرون أطباء الأسنان في أميركا.
وقد قال لي أحد أفاضل الأميركيين إن أطباء الأسنان هناك وباعة الخيل وسماسرة البورصة من طبقة واحدة. فلم أفهم كلامه، فهل لك أن تشرح لنا ذلك؟
تناول الريحاني الكلام شارحاً فقال: أما باعة الخيل فالمشهور من أمرهم هو أنهم مثل من يبيعون المعاليق في حماة فينفخونها قبل أن يزينوها! وأما سماسرة البورصة فلهم في أميركا اسم آخر. أظن فيه الشرح الذي تبغيه. فهم كما يدعونهم هناك أصحاب الدلو الفارغ! أي أنهم يتاجرون بلا شيء، «بالهوا»! فيبيعون لزبائنهم ما لا يملكون من الأسهم. وكذلك الزبائن يبيعون ويشترون. هو ضرب من لعب القمار. يكثر فيه ما هو محض سر من الأسرار.
ضاع الشيخ خزعل مرة ثانية في متاهة هذا الشرح الذي زاد الموضوع غموضاً بدلاً من وضوح. فعاد إلى السؤال: وأين وجه الشبه بينهم وبين أطباء الأسنان!
استأنف الريحاني الكلام قائلاً وجه الشبه في المبدأ يا مولاي، فالمبدأ واحد وهو الوهم والاعتراف به: هو أن الهواء في المعاليق. وهو الدلو الفارغ، أو الهواء في الدلو. فإذا رحت إلى طبيب الأسنان تشكو من ضرس واحد، يقول لك بعد الفحص، إنك رجل جبار لأنك لا تشكو إلا من ضرس واحد. حين أن بقية أضراسك كلها في حالة مفجعة. فيقنعك بما أوتي به من علم أن معالجتها جميعاً لازمة، حتى ولو اقتضى شهراً من العلاج. وتمسي وبعد أشهر لا تجد في فمك سن واحدة!
قال الشيخ خزعل: قد أخطأ إذن الأميركيون. فلو كان هذا الطبيب عندنا لاعتبرناه واحداً من النشالين!
هنا ضحك الشيخ أحمد وقال: ينشل ما في الفم وما في الجيب.
أضاف الشيخ خزعل فقال: الحمد لله أن أطباءنا سوريون.
وجرى كل هذا الكلام عن الأسنان وبلدهم «الأحواز» في مهب الريح. فبعد أشهر قليلة وقعوا في قبضة أسنان أوجع، أسنان إيران.
ترك الشيخ خزعل انطباعاً جيداً في الضيف العربي الأميركي. كتب يقول «إنه غني حكيم كريم معاً. فهو برمكي في كرمه وفي ذوقه وفي أدبه. يحب اللهو والغناء حبه للأدب والشعراء. إن للشيخ خزعل ذوقاً إنسانياً فلا ينفر من غير القبيح والدميم».
لا أدل على هذا الكلام من قوله للريحاني: «لو كان لي أن أرجع بعد الموت إلى هذه الأرض لما أحببت أن يكون ذلك إلا عندما تصبح لا أثر فيها للتعصب الديني. الإنسان أخو الإنسان أحب أم كره ذلك».
زاره الريحاني عندما كان يعاني من وجع الأسنان، فقال لضيفه: سمعت الناس يشكرون أطباء الأسنان في أميركا.
وقد قال لي أحد أفاضل الأميركيين إن أطباء الأسنان هناك وباعة الخيل وسماسرة البورصة من طبقة واحدة. فلم أفهم كلامه، فهل لك أن تشرح لنا ذلك؟
تناول الريحاني الكلام شارحاً فقال: أما باعة الخيل فالمشهور من أمرهم هو أنهم مثل من يبيعون المعاليق في حماة فينفخونها قبل أن يزينوها! وأما سماسرة البورصة فلهم في أميركا اسم آخر. أظن فيه الشرح الذي تبغيه. فهم كما يدعونهم هناك أصحاب الدلو الفارغ! أي أنهم يتاجرون بلا شيء، «بالهوا»! فيبيعون لزبائنهم ما لا يملكون من الأسهم. وكذلك الزبائن يبيعون ويشترون. هو ضرب من لعب القمار. يكثر فيه ما هو محض سر من الأسرار.
ضاع الشيخ خزعل مرة ثانية في متاهة هذا الشرح الذي زاد الموضوع غموضاً بدلاً من وضوح. فعاد إلى السؤال: وأين وجه الشبه بينهم وبين أطباء الأسنان!
استأنف الريحاني الكلام قائلاً وجه الشبه في المبدأ يا مولاي، فالمبدأ واحد وهو الوهم والاعتراف به: هو أن الهواء في المعاليق. وهو الدلو الفارغ، أو الهواء في الدلو. فإذا رحت إلى طبيب الأسنان تشكو من ضرس واحد، يقول لك بعد الفحص، إنك رجل جبار لأنك لا تشكو إلا من ضرس واحد. حين أن بقية أضراسك كلها في حالة مفجعة. فيقنعك بما أوتي به من علم أن معالجتها جميعاً لازمة، حتى ولو اقتضى شهراً من العلاج. وتمسي وبعد أشهر لا تجد في فمك سن واحدة!
قال الشيخ خزعل: قد أخطأ إذن الأميركيون. فلو كان هذا الطبيب عندنا لاعتبرناه واحداً من النشالين!
هنا ضحك الشيخ أحمد وقال: ينشل ما في الفم وما في الجيب.
أضاف الشيخ خزعل فقال: الحمد لله أن أطباءنا سوريون.
وجرى كل هذا الكلام عن الأسنان وبلدهم «الأحواز» في مهب الريح. فبعد أشهر قليلة وقعوا في قبضة أسنان أوجع، أسنان إيران.
المصدر : الشرق الأوسط