هنا الأحواز
قبيل فجر أول أيام عيد الفطر.
قضينا العشية نجادل جموع الأموات المتحركين من أبناء جلدتنا محاولة منا لإستحياء مامات من ضمائرهم وعقولهم، ولكن عبثا كنا نحاول، فهيهات للميت من عودة للحياة.
ولهذا تركناهم كماهم هياكل فارغة كعجل موسی لیس فیها إلا الخوار.
ترکناهم وعدنا نتذوق طعم العيد بحلاوة بهجته ومرارة غربته.
كنا نتذوق طعم التناقض والذبذبة ، نتذوق طعم الضياع بين البسمة والدمعة .
بين مراث نعت موت هذه الجماهير في التيه والجهل ،وبين اناشيد تبشرنا بفجر سيبزغ عما قريب.
وما أن حل وقت السحر حتی نادت المآذن للسحور معلنة بذلك وجوب صيام العيد وتأجيله إلی إشعار آخر.
لیت شعري حتی المآذن في بلدي علموها الكذب ، علموها النفاق.
كان أذان الفجر يومها كدعوة للبكاء، للدعاء ، للشكوی ، فقد فاضت دمعتي وتكسرت عبرتي مع اول تكبيرة للأذان.
هنا الأحواز ، صباح العيد ،جاء الصباح دون العيد ،لقد بقي العيد محتجزا في دهاليز الظلام ينتظر اطلاق سراحه. لم يعط تأشيرة للدخول إلی أرض المآسي.
أجل العيد كعادته شأنه شأن احلامنا وامنياتنا.
أجل العيد لنتذوق في أول أيامه طعم اليتم والغربة والضياع بدل تبادل التهاني والتبريكات.
قرر ولاة الأمر ان توزع افراحه جرعة اثر اخری خشیة ان يغص شعب المآسي بالفرح .جاء صباح العيد ليجدنا مثقلين بالحزن والخيبة كقلوب اليتامی. مثقلين بالدمع نستعطف صمت المآذن صوت الفرح.
جاء الصباح بلا تكبيرة ولا تهليلة ولا زغرودة من فوهة بندقية .وبين حنين المسامع لتكبيرة من مكبر تجتاح صمت الفضاء ، وحنين الدواوين والبن والهيل للاهل والاصدقاء ،وعيون تترقب سرب الفراشات يتنقل بين البيوت كعادته حين كنا صغار انقضی اول ایام العید في بلدي.
بقلم: طليعة الأحوازية