الإرباك الذي تصنعه النخبة الأحوازية في مسيرة طرحها لقضيتها الوطنية العادلة
من الواضح أن أي قضية بحجم القضية الأحوازية تحتاج لجهد أغلب القوى الحية الأحوازية وبخاصة النخبة منها. وإن أي خلل أو فشل يلحق بهذه القضية يكون أساسه هو عدم قدرة النخب على فهم القضية وما يحيط بها من عوامل قوة وعوامل ضعف، وكذلك عدم فهم دور هذه النخبة في التعريف بقضية الشعب وإيصالها إلى أكبر قطاع شعبي أحوازي بالدرجة الأولى لتصبح قضية الوطن هي قضية الشعب وقضية قطاعاته الشعبية.
على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها النخب الوطنية والثورية الأحوازية لبلورة وطرح قضيتهم أمام الراي العام الأحوازي والرأي العام العربي والدولي، لكنهم لا زالوا يتعاملون مع بعض المسلمات بشكل من اللغو ومن اللغط وعدم الوضوح. بل في إرباك وعدم الثقة بما يطرحون. ويسبب هذا الإرباك وعدم الوضوح في إرباك المتلقي الأحوازي والعربي والعالمي أيضاً. وبالإضافة لهذا الخلل في عدم القدرة على تعبئة القطاعات الواسعة بسبب عدم القدرة على توصيل المعلومة البسيطة بشكل واضح وصريح يفتح اسلوب اللغط والتذاكي وإدعاء الموضوعية المزيفة أبواب واسعة لكل من أراد شراً بالإحوازيين وبالقضية الأحوازية. ويغري أعداء الوطن والقضية في التمادي فيهدفون إليه للتخريب والتشويش على القضية الوطنية الأحوازية.
من أخطر أساليب اللغو واللغط الشائع بين صفوف الأحوازيين هو التعاطي مع جملة من المسلمات والأسس العامة لأي قضية بنوع من اللامبالاة والخفة وعدم فهم تأثيراتها السلبية على مجمل قضيتهم الوطنية. على سبيل المثال لا الحصر كيفية طرح أسس ومسلمات القضية الأحوازية التالية:
- ويبدا هذا الإرباك في تسمية إقليم الأحواز، هل هو الأحواز، أم الأهواز، أم عربستان أم هي خوزستان كما يحلو للبعض التبجح والإصرار على تسميتها. كيف لمتلقي أن يميز بين هذه التعابير وهذه المسميات، أحوازياً كان أو عربيا أوعالمياً. هل هذه المسميات هي أسماء متعددة لإقليم واحد وقضية واحدة، أم هي أسماء متعددة لأقاليم مختلفة وشعوب مختلفة أو أي شئ آخر.
- عدم التوافق على شكل الحدود الأحوازية. فمن حين لأخر تنشر صفحات الأحوازيين خرائط متناقضة ومختلفة عن الحدود الوطنية للإقليم الأحواز المحتل. مرة خارطة الأحواز التي تمتد حتى مضيق باب السلام (هرمز) ومرة أخرى الخريطة لإمارة المحمرة الواقعة على رأس الخليج ومرة خريطة تختصر على محافظة خوزستان.
- والنخب الأحوازية غير قادرة على التوافق على مساحة البلاد التي يتكلمون عنها، أهي 180 ألف كيلو متر مربع، أو 345 ألف كيلو مربع أم 375 ألف كيلو مترمربع، أم مساحة أخرى مبهمة وغير معرفة.
- لم تحسم النخب الأحوازية شكل دولتهم المنشودة، هل تتكون الأحواز من عدد من المحافظات، كم عددها 6 محافظات أم 4 محافظات أم أنها تتكون من محافظة واحدة (خوزستان) كما يطرحها الإعلام الفارسي ويتم تقزيم القضية الأحوازية بأقلية عربية تسكن أحد المحافظات الإيرانية. فكل من هذه الإحتمالات لها معناها وقيمتها السياسية. هناك فرق بين إقليم عربي يتكون من محافظات متعددة وبين أقلية تسكن في أحد المحافظات.
- والنخب الأحوازية أربكت نفسها وأربكت شعبها وأربكت كل من يقترب من القضية الأحوازية برمز الشعب والدولة والقضية والتي تعتبر من أبسط المسلمات في قضية سياسية وطنية وهو علم الدولة وراية الشعب. فكل فصيل يتباها بعلمه ورايته ويعمل بكل جهده على تسويق راية حزبه لتصبح راية الأحواز والوطن الأحوازي.
- والنخب الأحوازية دخلت في مغالطات غير ذكية ولم تحسم أمرها في موضوع عدد سكان الأحواز وأصبحت رموز منهم تتبارى وتتنافس بطرح أرقام متناقضة ومتباعدة عن بعضها البعض عن عدد سكان إقليم الأحواز العرب. هل عدد سكان الأحواز 3 ملايين أم خمسة أم 7 ملايين أم أن العدد هو 10 مليون أو 12 مليون مواطن. من الواضح أن كلما إرتفع عدد أفراد أي مجموعة بشرية كلما منحت أكثر شرعية سياسية وشرعية حقوقية. ويتناسب طرداً الإهتمام الإقليمي والدولي وكذلك الفردية مع الكم العددي لشعب من الشعوب . والعكس صحيح، كلما قل عدد أفراد شعب من الشعوب كلما نقصت حدة ودرجة الإهتمام بهذا الشعب والإهتمام بقضاياه. ولكل هذه الأرقام معناها السياسي فشعب يتكون من خانة العشرات من الملايين غير الذي يتكون من خان الأحاد من الملايين.
الملفت للإنتباه أن بعض النخب الأحوازية لازالت تردد الأرقام التي ذكرتها المصادر الفارسية عن عدد سكان إقليم الأحواز الشمالية في أعوام الستينات من القرن المنصرم، حيث حددت المصادر الفارسية عدد العرب في الكيان الإيراني في منطقة “خوزستان” في عام 1964 ب ثلاثة ملايين مواطن. ولا زال هذا النفر متوقف ومتمترس في معرفته وذهنيته عند هذا الرقم ودون زحزحة ودون حراك. في حين أن شعوب عربية وإسلامية أخرى كانت في ذاك الحين، في أعوام الستينات من القرن العشرين، تساوي أعداد مواطنيها أعداد الشعب الأحوازي، وأصبحت بعد خمسة عقود من الزمن بفعل النمو السكاني الطبيعي تتجاوز أعداد 15 حتى 16 مليون مواطن. على سبيل المثال عدد سكان اليمن الشمالي في الستينات في عام 1965 لم يتجاوز عدد سكانه 3 مليون مواطن وأصبح في عام 2014 أكثر من 15 مليون يمني في شمال اليمن لوحده. وكذلك تونس في نفس الحقبة الزمنية تجاوز عدد سكان هذا البلد العربي هو أيضاَ 14 مليون مواطن تونسي في عام 2013 في حين كان عدد الشعب التونسي 3 ملايين نسمة فقط في أعوام الستينات.
لم يتجاوز كثير من النخب الأحوازية حالة المراوحة في المكان والتحرر من أفه التقليد والتعامل مع الأشياء بطبيعتها التفاعلية المتحركة .
ولم ينتبه هؤلاء الأخوة بأن هذا الحوار وهذا النوع من التذاكي يسبب ضرر جسيم بالقضية الأحوازية وتفسح المجال واسعاً لكل من أراد شراً بالشعب الأحوازي وبالقضية الأحوازية. لم يتنبه الأخوة الأحوازيون بأن حوارهم العبثي هذا في هذه القضايا الأساسية وتنافسهم في رفع حدة الخلاف في هذه المعطيات وفي هذه الأسس يصعب على المحبين للقضية الأحوازية أي إمكانية للتضامن والمساعدة لعدم قدرتهم على فهم الخطوط العريضة لتلك القضية العادلة.
حتى تستقيم الأشياء لا بد للنخب الأحوازية من التوافق بأسرع وقت ممكن وتوحيد المسلمات والأسس العامة التي تخص بلدهم وشعبهم والتوقف عن ممارسة حالة اللامبالاة وبالتالي تمهيد الطريق لتعبئة أبناء شعبهم وكل الخيرين من العرب وغير العرب.
د. خالد المسالمة