إيران وعقدة تسمية الخليج العربي
طالما شكل كل ما هو عربي حساسية بالغة و عقدة كبيرة و نقيصة ما بعدها نقيصة لدى ايران , الا ان كون القرآن الكريم انزل بلسان عربي و كتب باللغة العربية يجعلها مضطرة للتعامل مع هذه اللغة بحروفها وابجديتها ومعانيها المتغلغلة في اللغة الفارسية , ورغم ذلك حاولت ايران مرارا ودون جدوى تخليص اللغة الفارسية من المفردات و المصطلحات العربية لدرجة انه يقال وربما من باب الدعابة والمبالغة ان لجنة شكلت من اجل ذلك , الا ان المفاجأة كانت ان اسم اللجنة جاء عربيا و ان نطق بالفارسية حيث كان اسمها ( لجنة تصفيت لغة فارسية من كلمات لغة عربية ) , و أن هذه اللجنة حين ارادت تعريب كلمة غواصة وبعد جهد جهيد اطلقوا عليها ( تحت مائي ).
وبهذه الحساسية وهذه العقدة تعاملت ايران ولازالت مع تسمية الخليج العربي , لذا تجدها لا تدخر وسعا نحو تكريس مسمى ( الخليج الفارسي ) و استثمار أية مناسبة بل خلقها لدعم هذا المسمى , حيث حدد يوم الثلاثين من شهر ابريل من كل عام للاحتفال بما تسميه إيران ( اليوم الوطني للخليج الفارسي ) والذي عرفته ويكيبيديا بانه احتفال تكريمي سنوي يقام منذ عهد الرئيس الإيراني محمد خاتمي بمناسبة ذكرى انتصار الشاه عباس الصفوي علي القوات البرتغالية والاستيلاء على مضيق هرمز في سنة 1662 الميلادية ,حيث يعقد مؤتمر في المحافظات الإيرانية المطلة على الخليج العربي بمشاركة كبار المسؤولين السياسيين و العسكريين .
وقد كان الرسم الكاريكاتيري الذي نشرته «24news» عبرموقعها للتواصل الاجتماعي تويتر نقلا عن إحدى الصحف الإيرانية والمكون من ثلاثة مقاطع الاول يبدو فيه شخص بلباس عربي يخط اسم «الخليج العربي» على الساحل الغربي للخليج، وفي المقطع الثاني تغشي هذا الشخص موجة كبيرة ليكتشف بعد انحسارها كما في المقطع الثالث بان ما خطه قد تحول الى «خليج فارس»، معبرا بشكل واضح عن مدى حساسية النظام الإيراني تجاه هذا الموضوع، وأن هذا الاحتفال ما هو إلا اداة من ادوات النظام الإيراني نحو تكريس مسمى وصفة «الفارسي» على الخليج وترسيخه في الاذهان، ومحاولة عبثية لطمس هوية الخليج الحقيقية التي وان اختلف حولها الساسة والمؤرخين فإن مسلمات الجغرافيا والديمغرافية تؤكدها وتظهرها حقيقة جلية في الانتماء العربي لمواطني الدول السبع المطلة على الضفة الغربية للخليج وجزره مثل مملكة البحرين وغيرها من الجزر المأهولة بالسكان كالجزر الامارتية وجزيرة غشم ناهيك عن الأغلبية العربية التي تقطن سواحل ضفته الشرقية، والتي ما فتئت ايران تعمل على إضعاف انتمائهم العربي وهجران لغتهم الأصلية وإجبارهم على تعلم اللغة الفارسية.
والمعروف تاريخيا بأن الخليج قد عرف بأسماء كثيرة منها «بحر أرض الإله» و»بحر الشروق الكبير» و»بحر بلاد الكلدان» و»بحر الجنوب» و «خليج البصرة» أو «خليج عمان» أو «خليج البحرين» أو «خليج القطيف» وخليج العرب وغيرها من المسميات، وفي العصر الحديث ربما شاع اسم «الخليج الفارسي» نتيجة قيام الإمبراطورية الايرانية وبروزها سياسيا في الوقت الذي كانت معظم دول الخليج العربي والدول العربية عموما خاضعة للاستعمار والانتداب الأجنبي، إلا أن استقلال دول الخليج وازدهارها الاقتصادي والتنموي وتأسيس الجامعة العربية وبروز فكرة القومية العربية قد أدت الى عودة مسمى الخليج العربي وشيوعه.
ومع ذلك فقد تعاملت دول مجلس التعاون مع هذا الموضوع بكل أريحية ومرونة لدرجة أنها حين أرادت الانضواء تحت منظومة واحدة فضلت تسميتها مجلس التعاون لدول الخليج العربية وليس دول الخليج العربي، وذلك تجنبا لاستفزاز جارتها إيران ودفعها الى اقامة علاقات طيبة فيما بين الجانبين حفاظا على أمن المنطقة واستقرارها، إلا ان دول المجلس في الوقت نفسه كانت دائما تتحفظ على تسمية «الخليج الفارسي» وترفضها، وهذا ما حدا بها إلى الاعتراض على وسم ميداليات بطولة ألعاب التضامن الاسلامي التي كان من المقرر أن تستضيفها إيران عام 2010م بكلمة «الخليج الفارسي» واقترحت الاكتفاء بكلمة الخليج وهو ما رفضته إيران الأمر الذي أدى الى إلغاء الدورة .
وعلى عكس هذه الاريحية والمرونة التي طالما أبدتها دول مجلس التعاون ازاء هذا الأمر والتي كانت محل انتقاد في بعض الاحيان، نجد صلف النظام الإيراني وشوفنيته في تعامله مع هذا الموضوع، حيث إن مجرد لفظ الخليج العربي يثير حفيظة المسؤولين الايرانيين وحنقهم واحتجاجهم، بل يقودهم إلى ردود وتصرفات انفعالية كطرد مضيف جوي يوناني استعمل مسمى الخليج العربي، وانتقاد شركة غوغل لحذفها اسم «الخليج الفارسي» من خريطة منطقة الشرق الأوسط واتهامها بعدم المصداقية، وخلق الأكاذيب، والتعدي على السيادة الإيرانية، وكذلك احتجاج احد المسؤولين الإيرانيين على قرار دولة الامارات العربية المتحدة بتسمية دورة رياضية بمسمى «دوري الخليج العربي» ووصفه لهذا القرار «بانه قرارسياسي يمس السيادة الإيرانية و انه تصرف عنصري».
وأمام صلف النظام الإيراني وتعنته وأطماعه التوسعية وسعيه للهيمنة على المنطقة، التي تعكسها تصريحات ا لمسؤولين الايرانيين و اخرها و اخطرها تصريح القائد السابق للحرس الثوري الذي اعلن فيه بان حدود إيران الحقيقية تنتهي عند البحر الأبيض المتوسط عبر جنوب لبنان، اضافة إلى محاولات هذا النظام الحثيثة لمحو الهوية العربية للخليج العربي، فإن على دول مجلس التعاون الاتفاق على استراتيجية شاملة للتعامل مع الأجندات الإيرانية ومن بينها موضوع عروبة الخليج، وأن يكون قوامها الندية وعدم المهادنة والمجاملة، واتخاذ خطوات وإجراءات فاعلة من أهمها الإصرار على تسمية الخليج العربي في المحافل الإقليمية والدولية، وعدم قبول تسمية «الخليج الفارسي» والتحفظ عليها، ودعوة الدول العربية الى مشاركتها هذا التوجه ودعمه، بالإضافة الى تعزيز استخدام تسمية الخليج العربي في اجهزة الإعلام، وابراز أي موقف او توجه اقليمي او دولي في هذا الاتجاه واستثماره لخدمة هذا التوجه، وكذلك تعزيز هذا المسمى في المناهج الدراسية، و كذلك التحفظ على مسمى «الخليج الفارسي» في تعاملاتها الرسمية والتجارية مع الدول الاخرى، وذلك حفاظا على الهوية العربية للخليج والانتماء العربي لمواطني دوله واشقائهم على الضفة الشرقية منه.
المصدر : جريدة الأيام البحرينية