إيران نمرٌ من ورق
عندما تضع خارطة إيران أمامك وترى مساحتها الشاعة التي تمتد من بحر العرب جنوبا إلى بحر قزوين شمالا ومن باكستان شرقا إلى تركيا غربا، وتطلع على ثرواتها الطبيعية والبشرية، تظن بأنك تقف أمام بلد عظيم ينعم بالأمان والإستقرار وأن شعبه يعيش في بحبوحة ورفاهية، لكنك عندما تتعمق في واقع هذا البلد وتستطلع ما يدور في داخله وعلى أطرافه من توتر وأزمات، ستجد بأنك بعيد كل البعد عن إنطباعك الأول وتبدو لك صورة هذا البلد وكأنك تقف أمام نمر من ورق مهدد بالتفسخ والإنهيار أمام أول هبة ريح يتعرض لها.
أثناء مشاركتي في مؤتمر "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز" الأخير في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن ولقائي مع الكثير من الأخوة الأحوازيين وكذلك مع ممثلين لمكونات أخرى في المجتمع الإيراني تبين لي بأن المجتمع الإيراني يقف أمام حالة تمزق وإنهيار كبيرة وأحد أهم أسباب هذا الإنهيار تكمن في الإستراتيجية الخاطئة التي إتبعتها ثورة الخميني منذ بدايتها والتي تعتمد على سياسة التوسع على حساب الدول المجاورة والتدخل في شؤون الدول الأخرى بناء على ما تنص عليه المادة 117 من الدستور الإيراني.
الساسة الإيرانيون يعلمون جيدا التناقضات الداخلية الكثيرة الموجودة في مجتمعهم والإحتقان الإجتماعي الذي يزداد كل يوم توترا، وأن الأغلبية الساحقة من جيل الشباب أصبحت في حالة تذمر قصوى من طريقة حكمهم لها، حيث صار الشباب يعيشون في حالة إنفصام كبيرة بين خارج المنزل وداخله، إضافة إلى المكونات المتعددة التي يعمل النظام الإيراني على "فرسنتها" منذ عقود طويلة والتي باءت بالفشل.
إن السياسة التوسعية الإيرانية وفتحها للجبهات في دول كثيرة مثل العراق وسوريا واليمن والبحرين وإنخفاض أسعار البترول والمصاريف الهائلة التي دفعها النظام من أجل برنامجه النووي أوقعت البلد في أزمة اقتصادية خانقة ما زاد من هشاشة وتصدع البيت الداخلي لإيران والتي ستسارع في إنهياره.
ملالي طهران عملوا دائما على نقل أزماتهم إلى خارج البلاد لإبعاد الأنظار عما يحصل في داخلها وعلى خلق عدو خارجي من أجل رص الصفوف في داخل المجتمع الإيراني والذي هو خليط كبير من قوميات وعرقيات وديانات مختلفة والتي هي متناقضة ومتناحرة فيما بينها ولو ذكرنا هنا فقط المكونات الكبرى للمجتمع الإيراني فهي إلى جانب الفرس يوجد آذاريون (أتراك) واكراد وجيلاك ومازندرانيون وعرب ولور وبختياري وتركمان وأرمن. أغلب هذه المكونات تشعر بأنها مضطهدة وتستنكر التمييز العرقي الكبير بينها وبين المكون الفارسي والمهيمن على مفاصل القرار والإقتصاد في البلاد، فلهذا نشأت حركات تحرر كثيرة بين مكونات المجتمع الإيراني ضد الإضطهاد الفارسي.
السياسة الإيرانية بطبعها عدائية ومبنية على إستراتيجية "الهجوم أفضل دفاع" وهي تبحث عن أية ذريعة كانت صغيرة أم كبيرة من أجل التدخل في شؤون البلاد المجاورة وحتى غير المجاورة. ولو نظرنا إلى أحدى هذه الذرائع التي تسوقها إيران من أجل التدخل في شؤون سوريا الداخلية، فهي تزج بالميليشيات الشيعية المقاتلة إلى داخل سوريا وتدعي بأن هدفها هو الدفاع عن "عتبات" أو "مراقد" شيعية مقدسة فقط لدى الطائفة الشيعية بالرغم من أن هذه "العتبات" و"المراقد" ظلت محمية لأكثر من ألف سنة من قبل المسلمين وغير المسلمين. وكذلك ما تقوم به إيران من أعمال "تبشيرية" ومحاولات "تشيّع" في دول كثيرة وما تقوم به من غزو فكري للعالم العربي يمكن التأكد منه من عدد القنوات الفضائية التي تبث باللغة العربية ومن خلال عدد مراكز البحوث والجرائد والمجلات التي تمولها إيران في تلك الدول، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يوجد في القاهرة لوحدها أكثر من 83 دار نشر ومركز دراسات يتم تمويلها من إيران بشكل مباشر.
إن لم تكف إيران عن سياستها العدائية هذه، فإن دول الجوار ستضطر وخاصة دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وكذلك تركيا إلى أن تطالب بطرد إيران من كل المنظمات الإسلامية وخاصة "مؤتمر التعاون الإسلامي" وأن تفضح إنتهاكاتها لحقوق الإنسان وممارستها "للفرسنة" على مكونات المجتمع الإيراني غير الفارسية وأن تقوم بالرد على أعمال إيران بنفس الطريقة التي تستخدمها ألا وهي التحول من إستراتيجية الدفاع إلى الهجوم وذلك بالعمل على دعم حركات التحرر الموجودة في داخل إيران ومنها على سبيل المثال "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز" وكذلك حركات التحرر الآذارية أو المنحدرة من أصول تركية. نحن نعلم بأن الفرس هم أقلية في المجتمع الإيراني وأن هنالك مكونات أخرى أكبر من المكون الفارسي عددا مثل المكون الآذاري وإن أضفنا إليه المكون التركماني والمكونات الأخرى المنحدرة من أصول تركية.
الطرف التركي يستطيع أن يدعم المكونات المنحدرة من أصول تركية ماديا ومعنويا ودبلوماسيا وإعلاميا وأما الطرف العربي فيستطيع أن يدعم حركات التحررالأحوازية وبكل الامكانيات المتاحة له والعمل على منح الأحوازيين مقعدا دائما في جامعة الدول العربية. وتستطيع كل حركات التحرر غير الفارسية في إيران أن توحد كلمتها وترص صفوفها لخوض معركة مشتركة من أجل تحررها والحصول على حق تقرير مصيرها.
على النظام الإيراني أن يغير إستراتيجيته في المنطقة من أجل التعايش السلمي مع شعوبها وأن يعلم بأن الصداقات الدائمة هي التي تتم بين الشعوب وليس بين الطغاة والديكتاتوريات وإن إرادة الشعوب لا تقهر وأن نظامه أوهن من بيت العنكبوت وأنه لم يجلب معه إلى المنطقة إلى يومنا هذا إلا الخراب والدمار وإن تابع سياسته الرعناء هذه فإن نظامه سينهار عاجلا أم آجلا وعليه أن يعلم بأن من كان بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة.
جمال قارصلي
نائب ألماني سابق من أصل سوري
المصدر: موقع ميدل ايست أونلاين