#أحوازنا -تجربة و وصية من تخلت عن لغة القرآن الكريم/يوسف مهدي
وصت الأم "ميترا بهزادي" بناتها الثلاثة – كبيرتهن تبلغ من العمر 15 عاماً – قبيل رحيلها من هذه الدنيا بعد صراع طويل مع مرض السرطان الناتج عن تلوث البيئة والمياه إثر نقلها وتجفيف الأنهر.
تُكلم الأم بناتها وقلبها يعتصر ألما، لأن كانت لغتها غير عربية وليست فارسية بل لغة ممسوخة ومشوهة. فكانت تبكي وتتحسر ثم قالت يا بناتي أوصيكن بأهم ما في الحياة وعليكن أن تختَرن بين العيش والموت من أجله أو الضياع عند التخلي عنه.
تتكلم ميترا والدموع تسيل مثل السيول الموسمية التي كانت تحدث في شمال بلادنا في أرجان. يا عزيزاتي عليكن أن تتعلمن اللغة العربية حسب قاعدة صحيحة وتتمسكن بها ما دمتن تتنفسن نسيم الهواء في هذا السجن الكبير. فهذه اللغة، لغة القرآن الكريم ولغة أهل الجنة، التي توصف بروح الأمة والبوابة الرئيسية للهوية وفقدانها يعني ضياع الهوية. وأضافت عليكن بتعلمها والحرص على إتقانها بشكل جيد بغض النظر عما تتحملنه من صعاب وعراقيل توضع في طريقكن من قبل من تجري في عروقه دماء الحقد و الغدر والخيانة.
ثم ذكرت لحظات من ماضيها وقالت لقد طبقت وصايا الغير حول إهمال اللغة العربية وتعلم اللغة الموصى بها بحذافيرها، بعدما قبلتها دون تمحص وتفكير بل تقبلتها بكل سذاجة من المغفلين والمغرضين. كنت أظن بتطبيق هذه الوصايا سوف أحافظ على كرامتي وعزّة نفسي وأحصل على ما أريده بطريقة مشروعة وأعيش بنعيم وأساهم بالقضاء على التمييز العنصري البغيض، ولكن حدث نقيض ما ظننته. فبت معتقدة لن تحقق العدالة ولن يقضى على العنصرية ولن نذوق طعم الكرامة مثل سائر شعوب العالم إلا بتمسكنا بلغة القرآن الكريم وجعلها لغة رسمية ومشتركة في مجالسنا ودواويننا.
وتقول "ميترا" صاحبة الاسم الأجنبي وهي عربية الأصل والجذور! لقد سمينا أنفسنا باسماء أجنبية، وغيرنا ألقابنا وأسماء قبائلنا العربية إلى اسماء أعجمية والبعيدة عن الثقافة العربية، وتعلمنا لغتهم وتخرجنا من جامعاتهم، وتخلينا عن ماضينا وتاريخنا ووصل الأمر بنا إلى نسيان لغة الأم تدريجياً فضاعت هويتنا وضعنا نحن والبلد، فخسرنا كل شيء ولم نحصل على أي شيء.
وأخيراً قالت يا بناتي هذه التجربة المريرة دفعت ثمنها أنا وجيل بأكمله فأضعها اليوم بين أيديكن، وعليكن الاختيار بين التمسك بلغة الأم والسير نحو ما تطمح له الضمائر أو إعادة تجربة شعب لدغ من جحر ألف مرة ومرة.
يوسف مهدي
المصدر: موقع بروال