#أحوازنا-إيران.. مع الغرب والعرب
للمدرس والطبيب المصرى وجهان، أحدهما باسم مجتهد ودود ولسان شارح مع الطلبة والمرضى فى الدرس الخصوصى أو العيادة الخاصة، ووجه كالح غاضب ولسان حاد شتام فى المدرسة أو المستشفى الحكومى.
كذلك لإيران وجهان، أحدهما باسم للغرب، والآخر كالح للعرب، فوجه الدولة الإيرانية العاقل الحكيم المتزن الملتزم بأصول العلاقات الدولية للغرب، ووجه الإمبراطورية للعرب، وهو الذى يقوده الحرس الثورى ويدشن ويرعى الميليشيات العربية، ويبارك مذابح الحشد الشعبى فى العراق وتفجير المساجد والقتل بالاسم والمذهب.. ويقيم شبكة إعلامية وعقائدية واستخباراتية ضخمة خارج إيران، لا تعلم عنها الدولة الإيرانية شيئاً، ويضخ المليارات فى عروق الميليشيات والأحزاب والجماعات التابعة له فى كل مكان ويدربها ويسلحها.. ويرفع راية الحسين بن على الثائر على الظلم وتوريث الحكم، ويدعم فى الوقت نفسه أعتى الحكام الديكتاتوريين الذين قتلوا وجرحوا مئات الآلاف من شعوبهم، وحولوا الجمهوريات إلى ملكيات و«عزب وأبعديات خاصة بهم»، مثل بشار وغيره، الذين أرسوا قاعدة «لاسيما الإمارة ولو على الحجارة».
هذه الازدواجية التى لا أعتقد أنها ستحل قريباً، وقد لا تحل أبداً، تمثل أزمة لإيران، وأزمة للعرب المحيطين بها من جهة أخرى.. فالعرب يريدون من إيران أن تعاملهم بـ«وجه الدولة الروحانى» الحكيم الرقيق.. وليس بوجه الميليشيات والاغتيالات وتحويل الدول العربية إلى «خيال مآتة».
يريد العرب من إيران أن تعاملهم مثل الغرب.. ولكن إيران معذورة، فقد قطعت شوطاً كبيراً فى هذه الازدواجية بين الرئيس والمرشد، والجيش والحرس الثورى، وعقل الدولة وكابوس الحلم الإمبراطورى، وحكمة الدولة وحمق وبطش الميليشيات التابعة للحرس الثورى.
الأزمة تكمن فى أن المرشد أقوى وأبقى من الرئيس، وميزانية «قُم» تفوق ميزانية الدولة، واقتصاد الخمس يكفى لبناء ميليشيات فى العالم كله، وأسرار الحرس الثورى لا يستطيع أقوى حاكم لإيران أن يغزوها أو يعرفها، وقد وقف الحرس الثورى وأنصاره أمام الرئيس خاتمى فلم يستطع أن يخطو خطوة لإبراز الوجه الحضارى الحقيقى لإيران التى ملأت الدنيا من قبل حضارة وعلماً.
الوجه الآخر الذى تقدمه إيران للعرب يختلف عن وجهها الغربى، لأنه يجعل ميليشياتها أقوى من الدول العربية، وأغنى وأعظم تسليحاً وتدريباً.
فحزب الله أقوى من الدولة اللبنانية بمراحل كثيرة، جيشه أعظم من جيشها، ومخابراته أقوى من مخابراتها، واقتصاده أكبر من اقتصادها، ونفوذه الخارجى أقوى من نفوذها.. خاصة بعد أن امتد نفوذه إلى العراق وسوريا واليمن وغيرها.
المهم أن إيران تحب أن تكون كل الدول العربية «كالمرأة الوقف» لا هى متزوجة ولا مطلقة، حتى تسقط فى حجر ميليشياتها دون كثير جهد، فتغنم الميليشيات دائماً وتغرم الدول أبداً.
وميليشيات الحشد الشعبى فى العراق أقوى من الجيش العراقى.. وهى أشبه بداعش فى الغدر والمكر والحرق وتفجير المساجد والبغى على كل من يخالفها، وهى تقوم بعمليات تطهير عرقية بغيضة، والأدهى من ذلك كله أن الدولة الإيرانية كدولة، أو الإمبراطورية الفارسية كإمبراطورية لم تستنكر مرة أفعالها، مع أن العرب ينكرون على داعش ويحاربونها.
فعلى إيران الدولة المتحضرة أن تنفض يديها من الميليشيات جميعاً سنية أو شيعية، وأن نتعامل مع الدولة المتحضرة بطريقة لا تعتبر الشيعى فى بلاد العرب من رعاياها، لتنتظر لحظة الخلاص التى يجهزونها بدءًا من الخلايا النائمة وانتهاءً بتكوين الميليشيات.
وإيران لها وجهان مع أمريكا، وجه الدولة البرجماتى، وهو يدعم أمريكا فى احتلال العراق وأفغانستان.. ووجه آخر ثورى للبسطاء والدهماء، يردد مع الميليشيات «أمريكا الشيطان الأكبر والعدو الأعظم»، فكيف تساعد على احتلال بلاد العرب والمسلمين وتقسيمها، وتزعم الرغبة فى تحرير القدس؟ أنت تريد مشروعك الإمبراطورى السياسى فحسب، سواء وافق الاحتلال أو خالفه.
ولكن إيران لها عذرها، فمن يجد غباء العرب وتخلفهم وضعفهم وهوانهم ثم لا يفعل بهم ذلك فقد فوّت على نفسه أعظم فرصة لإمبراطورية سهلة، لا يصنعها ذكاؤه بقدر ما يصنعها غباء الآخرين.
ناجح إبراهيم
المصدر: صحيفة المصري اليوم