#أحوازنا-الخطة الأمنية الشاملة: الافاق والأبعاد
سرب ناشطون أحوازیون نهایة شهر مارس2016 وثیقة تحت عنوان: الخطة الأمنیة الشاملة لمحافظة خوزستان(الأحواز)، والتي سمیت لاحقا بمشروع "الغدیر الشامل للمحافظة" نظراً للحساسیات التي یمکن أن یثیرها العنوان الأول بما یحمل من دلالات علی وجود عدم استقرار أمني في الأحواز، إلی أن جری الاعتماد بشکل نهائي علی "المشروع الشامل للتنمیة المستدامة في محافظة خوزستان"(الأحواز).
أعدت هذه الوثیقة من قبل وزارة الداخلیة الإیرانیة عام 2014 بتنصیف "سري للغایة"، تستعرض فیها جملة من التهدیدات والمخاطر التي تحول دون تنفیذ "المشروع الأمني الشامل"، مع توفیر الحلول الکفیلة بتحدید تأثیر هذه التحدیات. ویشرف علی مسار تنفیذ الخطة الأمنیة الشاملة، مجلس استراتیجي یتکون من: النائب الأول لرئیس الجمهوریة(أمینا عاما)، وزیر الداخلیة(نائبا)، وزیر الإستخبارات، القائد العام لقوات حرس الثورة الإیرانیة، مستشار وزیر الداخلیة للأمن والشرطة، مدعي عام الجمهوریة، قائد شرطة "الجمهوریة الإسلامیة في إیران"، رئیس مؤسسة الإذاعة والتلفزیون "للجمهوریة الإسلامیة"، محافظ خوزستان(الأحواز)، إلی جانب الوزارات والمؤسسات ذات الصلة بموضوع الخطة.
تعتبر الوثیقة إن العدید من المشاکل السیاسیة والإقتصادیة والإجتماعیة والأمنیة تکمن في مفهومي "الإقتصاد والثقافة"، حیث یعتبر تحسین الوضع المعیشي وتوفیر الإستقرار الأمني عبر التطویر الإقتصادي وتلبیة المطالب الدینیة والمعنویة، من أهم الأهداف المتوخیة في "المشروع الشامل للتنمیة المستدامة". وعلیه، فإن هذا الإستقرار الأمني من الإستحالة حدوثه إلا من خلال تهیئة مناخ مناسب یساعد علی إستغلال القدرات و الإمکانیات التي تتیحها المدارس والجامعات ومقرات الباسیج کمراکز تحشید وتعبئة ایدیولوجیة، بالإعتماد علی نخبة محلیة ذات مکانة إجتماعیة وثقافیة وسیاسیة مرموقة تکون قادرة علی احتواء التصرفات "العدوانیة" و"التهدیدات" محتملة الحدوث، عبر خلق فضاء سیاسي وثقافي مزیف واعطاء فتاة من الحقوق، بغیة إمتصاص مظاهر السخط المجتمعي الناجمة عن ممارسات المحتل، خاصة بعد ما تبین فشل السلطة في تبنیها الأحادي لسیاسیة المواجهة لردع مطالب الشعب العربي الأحوازي.
کما تؤکد الوثیقة لا بل تفرط في إصرارها علی أهمیة تکریس الوعي الدیني والمذهبي بواسطة عناصر لها نفوذ بین أوساط الشعب الأحوازي، بإقامة ندوات وإحتفالات وإحیاء مناسبات الأعیاد وشعائر العزاء المذهبیة، وتعزیز سلطة ودور وجهاء وشیوخ العشائر- لمکانتهم والدور الفعال الذي یمکن أن یأدونه في الوسط المجتمعي العشائري- بهدف تمتین "أواصر الوحدة الوطنیة الإیرانیة".
وقد سلطت الوثیقة الأضواء علی أهمیة إقامة معارض معنیة بالرد علی الشبهات الدینیة والمذهبیة التي أثیرت کنتیجة لحرکة تحول المذهبي ( من المذهب الشیعي إلی المذهب السني) التي جرت في الأحواز منذ عقدین تقریبا، وبالتوازي لمواجهة النزعات القومیة ومکافحة آثارها الفکریة والثقافیة في الأحواز. کما تحیل الوثیقة إلی حادثة تاریخیة تعود إلی فترة الحرب العالمیة الأولی وتفكك الإمبراطوریة العثمانیة، لإستدعاء مآثر معرکة "الجهاد" التي جری فیها مقاومة بعض القبائل في الأحواز للوجود البریطاني في تلك المنطقة استجابة لفتوی المرجعیات في النجف، بربط نضال هذه القبائل وشجاعتها بالتوسل بآل البیت-علی حد وصف الوثیقة-، بغیة إثبات انتماء الشعب الأحوازي تاریخیاً وعقائدیاً لإیران.
ذلك ما یؤکد أن الکثیر من المشاریع التي نفذت في الأحواز لا یمکن إدراجها إلا في إطار التنفیذ الحرفي لبنود الوثیقة المسربة. فقد أقیم معرض "الأهواز عبر التاریخ" (بوابة التشیع) في مدینة الأحواز تمحور في نشاطاته وعروضه وندواته علی تعریف الهویة الأحوازیة التي تتضمن العناصر: الإسلام، التشیع،العروبة، الأیرنة؛ وحفل مئویة الجهاد الذي أقیم في مدینة الحمیدیة لإحیاء الذکری المئویة لحادثة "الجهاد" ضد البریطانیین بهدف إظهار حرص الأحوازیین التاریخي علی الوحدة الوطنیة الإیرانیة.
وتحذر الوثیقة من استخدام الشعارات القومیة الهادفة لکسب الناخبین من قبل مرشحي البرلمان ومجالس البلدیات، مما یتیح الجوء الی التعبئة العشائریة کمناخ مسموح فیه للتعبیر والحشد الانتخابي في مجتمع أحوازي قائم بالدرجة الأساس علی علاقات اجتماعیة قبلیة. حیث تمظهر ذلك في الإنتخابات النیابیة الأخیرة في صیغة قبلیة سیاسیة للدعایة للمرشحین.
تنحو هذه الوثیقة في التأکید علی ضرورة تغییر البنیة الدیمغرافیة لإقلیم الأحواز، وفق صیغة من شأنها ان تعیق هجرة غیر العرب في الأحواز الی المحافظات الإیرانیة الأخری، في مقابل تشجیع هجرة غیر العرب إلی الأحواز.
ولکن الخطیر في هذه الوثیقة، هو انتقادها لأداء السلطة نتیجة تأخرها في إعادة إعمار المدن والقری الحدودیة المتضررة جراء الحرب الإیرانیة-العراقیة، والتي أفضت إلی نزوح الکثیر من سکان تلك المناطق إلی المدن الداخلیة وتحدیدا مدینة الأحواز العاصمة، لتشکل حزاماً عربیاً یمثل تحدیاً سیاسیاً وأمنیاً للسلطات الإیرانیة. وإزاء تعقد هذه المسألة، تلزم الوثیقة السلطات المعنیة بإقامة مشاریع اقتصادیة وتحدیث البنی التحتیة للأسواق الحدودیة، بما یمکّن من تفكیك هذا الحزام، عبر هجرة سکانه إلی المناطق الحدودیة التي یمکن أن یتوفر فیها فرص عمل کثیرة، بغیة الوصول إلی الأهداف الحقیقة لهذه الوثیقة وهي الحد من تفاقم مستوی "عدم الإستقرار الأمني" و "حالات التمرد" ذات الظابع القومي في الأحواز.
يعقوب سعيد