الاستهداف الإيراني للسعودية
عملت فوضى الربيع العربي، وتأخر استحقاق الإنجاز الثوري على إعادة تفعيل الأدوات الإرهابية في عدة دول عربية، عاملة على توسيع نطاق استهدافها لبيئات أكثر، مستفيدة من السيولة الأمنية، وتثقيل العامل العنفي العسكري في البيئات الثورية، حتى غدت غالبية الدولة العربية قيد الاستهداف.
وتتمحور الأطراف الإرهابية دينياً حول مركزين يتكاملان ويتضادان معاً، وهما المركز الإرهابي المستند شيعياً إلى نظام الملالي في إيران، والمركز المضاد له والناجم عنه، والمستند سنياً إلى تنظيم القاعدة ومتفرعاته في سورية والعراق واليمن بداية وفي مواجهة المشروع الآخر في ذات البيئات، والمتمدد إلى مصر والمغرب العربي.
كلا الطرفين يعملان على توسيع نشاطاتهما خليجياً ومغربياً وبما يشمل مصر واليمن بشكل حتمي. لكن تبقى منطقة الخليج العربي الأكثر أهمية في الاستهداف الإيراني، عبر الأدوات التالية:
- توظيف الولاء الديني في عملية اختراق البيئة الأمنية الخليجية.
- نقل الفوضى العربية الثورية إلى داخل البيئة الخليجية.
- إحداث مرتكز تدخلي أمني هوياتي.
- ومن ثم، العمل على فرض سياقات سياسية وأمنية تتفق مع المصلحية الإيرانية في منطقة الخليج العربي.
لذا فإن الحدث الإرهابي الأخير في منطقة الأحساء، شرق المملكة العربية السعودية، يأتي ضمن ذات المحددات الإيرانية، التي تعمل على توظيف نظرية “المظلومية التاريخية” في تبرير سلوكها التدخلي وأدواته. فاستهداف تجمع شيعي في موسم ديني، يسمح لملالي طهران بتوظيف الحث دينياً في تحضير لتوسيع الامبريالية الإيرانية نحو الخليج العربي، بعد إخفاقها السابق في البحرين.
وحيث كانت السعودية هي السند الرئيس لاستقلال البحرين وعروبتها وهويتها، عبر ثقلها العسكري المركزي في قوات درع الجزيرة، وعبر ثقلها السياسي في مجلس التعاون الخليجي، وخاصة عقب طرح مشروع الاتحاد بين الدولتين، فإن استهدافها يأتي عقب استنفار مراكز صنع القرار الإيراني، في محاولة ضرب العمق السعودي لإشغاله عن محاولات إيران لإعادة العبث في المنطقة.
هذا الإشغال لن يكون ذا فعالية تذكر لو كان العمل الإرهابي كسوابقه –القاعدة- تجاه مؤسسات حكومية أو أفراد من خارج الهوية الشيعية، بل إن ما جرى هو فهم إيران لمتغيرات الواقع العربي هوياتياً، وقابلية الشوارع العربية للحشد وفق المنطوق الطائفي منذ ثورات الربيع العربي تحديداً.
ويأتي هذا الدفع الإرهابي الإيراني، ضمن السياقات السياسية الدولية الجديدة، والتي توحي بعملية تقاسم مصالح بين القوى الدولية وإيران ضمن البيئة العربية، حيث يزداد الحضور الإيراني في اليمن والعراق والخليج العربي، مقابل تيسير الحملة الدولية على داعش وأخواتها في سورية، كما فعلت إيران إبان الحملة الدولية السابقة عل الإرهاب عام 2001-2003، واحتلال العراق.
ورغم أن المستهدف هو البيئة الحاضنة للفكر الإيراني، إلا أنه قد سبق لإيران وأتباعها في العراق وسورية، استهداف بيئاتهم الحاضنة بغية إعادة حشدهم، والدفع بهم في عملية تجييش الشوارع في فوضى طائفية.
ورغم إلقاء القبض على عشرات من المتورطين في هذا الحدث، إلا أنه لن يكون الأخير من نوعه، وخاصة أن السعودية تعتبر الجائزة الاستراتيجية في الفكر السياسي-الديني الإيراني، في ظل انتقال المشروع الفارسي إلى مرحلة المواجهة غير المباشرة معها ومن خلالها، وليس من خلال الأطراف الخليجية (الكويت، البحرين).
وهنا لا يمكن للسعودية التعامل بذات النهج الدبلوماسي السابق والحذر مع إيران، حيث تفرض عليها الواقعية السياسية التعامل بذات النهج على الأقل، عبر توسيع إشغالها في بيئاتها التي تهمين عليها، من خلال تقديم دعم أكبر للجهات المناهضة للامبريالية الإيرانية، في سورية والعراق واليمن، بل وحتى القوميات في داخل الجغرافيا الإيرانية، وخاصة العربية منها (الأحواز)، والتي تعتبر جزءاً من الأمن الهوياتي العربي في مواجهة التغلغل الإيراني.
والسعودية قادرة على ذلك، خاصة بعد قطع سبل التدخل الإيراني في مصر والبحرين، ولعبها دوراً رئيساً في استبعاد إيران عن التحالف الدولي الأخير. عدا عن الأدوات الأخرى التي تمتلكها السعودية، ومن أبرزها الأداة النفطية، من خلال الضغط باتجاه إبقاء مستويات الإنتاج الحالية على ما هي عليه، بالتزامن مع الانخفاض الكبير في أسعار النفط، وهو ما يشكل ضربة كبيرة للاقتصاد الإيراني، المستند ريعياً إلى المنتوج النفطي، وخاصة في مرحلة الخروج التدريجي من العقوبات الدولية.
إذ إن المرونة السعودية تجاه أسعار النفط أكبر بكثير من نظيراتها الإيرانية، وتستطيع السعودية أن تغطي هذا الانخفاض من خلال صندوقها السيادي العالمي، على عكس إيران التي تعاني من حالة شبه إفلاس منذ عدة سنوات، وتسعى إلى توسيع صادراتها النفطية لإعادة الحياة ولو جزئياً إلى اقتصادها، بغية التخفيف من الضغط المجتمعي الداخلي الناقم على النظام.
عبد القادر نعناع
كاتب وباحث سوري
مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث