مؤتمر قم وخطاب خامنئي
عقد في مدينة قم الإيرانية يومي 23 و24 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي مؤتمر بعنوان «آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرفة والتكفيرية، ألقى فيه السيد علي خامنئي مرشد الثورة الإيرانية خطاباً هاجم فيه تنظيم «داعش» معتبرًا انه فرع لأصل لا يزال موجوداً وليس شذوذاً او خروجاً عن «النهج القويم». وتناسى او تعمد عدم الحديث عن التنظيمات الإرهابية التي صنعها النظام الإيراني في لبنان والعراق وسورية واليمن، بل كال المديح لـ»حزب الله» اللبناني ولما سماه جبهة الممانعة التي لم نر لها من ممانعة سوى الولوغ في دماء الشعب السوري وتدمير مدنه وقراه، وتعطيل الحياة السياسية في لبنان. كما هاجم السيد خامنئي في خطابه أميركا وإسرائيل وتغنّى بالقدس وضرورة الدفاع عنها، بينما حكومة بلاده تتفاوض مع أميركا والدول الغربية حول البرنامج النووي وأمور اخرى. وتؤكد أخبار متعددة المصادر التفاهم غير المعلن بين ايران وإسرائيل حول النظام السوري وضرورة بقائه.
هكذا هي سياسة ايران الملتبسة ومواقفها المدلسة في ما يخص المنطقة، وجهٌ هنا ووجهٌ هناك وحديثٌ هنا وحديثٌ آخر مخالفٌ هناك. وإذا كان خامنئي لا يرى الإرهاب والتطرف والتكفير الا في تنظيم «داعش»، ويتهم بعض دول المنطقة بدعمه، بل يرى ان أصل الإرهاب والتكفير هو عند طائفة من أهل السنة لم يسمّها لكن قصده بالنسبة لمن يعرف ابعاد استراتيجية ايران المذهبية واضح وخصمه معروف، فما هي طبيعة عمل التنظيمات الشيعية الإيرانية الصنع أمثال «حزب الله» بكل فروعه وعصائب أهل الحق ولواء أبي الفضل العباس وجيش المختار وجيش المهدي وفيلق القدس إلى آخر قائمة التنظيمات المسلحة التي مارست الإرهاب الطائفي ولا تزال تمارسه في العراق وسورية ولبنان وأماكن اخرى في المنطقة؟ هل هذه التنظيمات جمعيات خيرية او اغاثية او دعاة تقارب وسلام؟ ثم من يحارب إرهاب «داعش» في العراق وسورية؟ أليست هي الدول السنية التي لمّح الى أنّها تدعمه وتموّله؟ وهل ما تفعله ميليشيات الحوثيين التابعة لإيران في المدن والقرى اليمنية من قتل وتدمير وإرهاب طائفي عمل إنساني ومقاومة لإسرائيل وأميركا؟
الحقيقة ان مصنع الإرهاب والتطرف والتكفير والطائفية المقيتة موجود في ايران، والسياسات الموجهة لهذا الغرض هي بتوجيهات مباشرة من اعلى درجات القيادة الإيرانية. لذلك فمؤتمر قم كان من الأولى ان يناقش هذه الحقائق اذا كان جاداً في اتخاذ موقف نزيه من الإرهاب والتطرف والتكفير. وحيث انه لم يكن كذلك، بل كان مؤتمراً طائفياً بامتياز، فنتائجه لم يكن لها اي أثر في مواجهة الإرهاب والتطرف، وكان زبداً لم ينفع الناس ولم يمكث في الأرض.
الموقف الذي اعلنه مرشد الثورة الإيرانية في خطابه ذاك، ليس جديداً، وإنما هو تكرارٌ لمواقف سابقة، وعزفٌ على المقام المملّ نفسه، لأن السياسة الطائفية التي تتبناها إيران ثابتة لا تتغير، ترمي الى إثارة الفتنة والزج بالمنطقة في دوامة الفوضى الهدامة حتى تتاح لها الفرص للتمكن من الهيمنة على الأوضاع والتمدد من الخليج العربي الى البحر المتوسط. وهذا هدف إستراتيجي خطير بدأت العلامات الأولى لتحقيقه تظهر بوضوح في العراق وسورية ولبنان واليمن.
والسيد خامنئي الحاكم المطلق في إيران، يعرف أكثر من غيره ماذا تريد بلاده من انتهاجها هذه السياسة الخطيرة. فقد وصل الى هذا المنصب الأعلى عبر مراحل مر بها، منها منصب رئيس الجمهورية، كما كان قريباً من السيد الخميني قائد الثورة الإيرانية الراحل. فهو العقل المخطط والقائد الموجه لسياسة بلاده، ولموجات التطرّف والطائفية اللذين يهزان أركان السلم والأمن في المنطقة، وإفساح المجال واسعاً للإرهاب، إن لم يكونا الإرهاب نفسه، باعتبار أن الميليشيات الشيعية التي تُكَفِّر المخالفين وتقتل المواطنين السنة وتدمر الإنسان والعمران في العراق وسورية واليمن، وتحاصر الدولة اللبنانية وتفرض هيمنتها على الحياة السياسية فيها، هي التي تمارس أبشع جرائم الإرهاب، وتدعم التنظيمات الإرهابية التي تشجّع على وجود ما يسمّى زوراً تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). وهذا ما تعمّد السيد خامنئي تجاهله لغرض في نفسه لا يخفى على الذين يعرفون حقيقة النظام الإيراني وأطماعه التوسعية في العالم الإسلامي.
لقد أرادت إيران من عقد مؤتمر قم حول «آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرفة والتكفيرية»، ولا أدري من هم هؤلاء العلماء وما صفتهم، أن تُزيّف الحقائق، وتضلّل المسلمين، وتظهر بمظهر الحريص على سمعة الإسلام ومصالح المسلمين، وأنها ضد التطرف والإرهاب والتكفير، لكنها أخفقت في مسعاها هذا، ولم تجنِ ما كانت تريده من هذا المؤتمر، ومن مؤتمرات الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب، من نتائج توظفها لخدمة سياستها، وتوطد بها نفوذها، وتُدلّس بها على شعوب العالم الإسلامي. فكلّ ذلك التدليس أصبح معروفاً ومستهجناً عند علماء العالم الإسلامي المعتبرين والمؤسسات الإسلامية الكبرى.
لكي تحارب ايران التطرف والإرهاب والطائفية، عليها أولاً أن تزيل النصوص المتطرفة والتكفيرية التي تكفّر المخالف لعقيدتها، من أمهات الكتب والمراجع التي تدرّس في الحوزات والمؤسسات الدينية، وأن تعلن تحريم وتجريم لعن الصحابة وأمّهات المؤمنين وسبّهم وتكفيرهم. كما عليها ان توقف تسليح وتدريب ودعم الميليشيات الشيعية التابعة لها التي تعيث فساداً وإجراماً وإرهاباً في لبنان وسورية والعراق واليمن، وأن تتوقف عن التدخل التخريبي في دول العالم الإسلامي. فإذا فعلت ذلك، وهي لن تفعله، عندئذ يمكن لنا أن نصدّق بعض ما تقول.
* أكاديمي سعودي
عبدالعزيز التويجري
المصدر: صحيفة الحياة اللندنية