جمهورية خميني الايرانية ما هي حقيقتها؟؟
ربما بدى هذا السؤال بعد ثلاثة عقود من عمر النظام الايراني ،لا معنى له فكل اوراقه تكشفت وكتب الكثير عنه وشخص من اكثر من جهة والاف الباحثين والكتاب ، لكنه هنا في بلدنا – العراق – مازال سؤالا يستحق الاجابة عنه ،حين يصل الامر بنواب البرلمان العراقي ان يتقاذفوا الاحذية ويتبادلوا اللكمات بسبب التقييم المختلف او المتقاطع له .
الذين وقفوا ويقفون مع الهوى الايراني هم اولئك الذين لا يفرقون بين كينونة الدولة وقياداتها ،وهويتها ، وبين المرجعيات الدينية التي تتماهى برموز الدولة لهذا الغرض او ذاك ،بحيث يغدو الحديث عن السيادة الوطنية ضربا من العبث ،او الاحتراب الطائفي ، وجوهر الخلاف هنا هو ان البعض لا يعترف ان خامنئي على سبيل المثال رئيس دولة اجنبية وان التعامل معه عراقيا يجب ان يتم على وفق هذا الاعتبار وليس مرجعية دينية يخضع العراقيون لاحكامها سياسيا، وخامنئي في الحقيقة حاكم سياسي وعسكري وامني وثقافي ، وان تلفع ثوب مرجعية دينية ،واذا اريد منا الاعتراف به كمرجعية دينية فليخلع اثوابه السياسيه والعسكرية وينزع سياط السلطة من يده ويلقي بصولجانها .
لهذا فان القول برفض رفع صوره في شوارع بغداد امر سياسي ولا علاقة له بالانتماء الطائفي ،وليس ثمة ما يدعو لغضب هذا او ذاك ما لم يكن القصور الثقافي وقلة الوعي هو السبب ولا اريد ان اذكر توصيفا اخر.
والان ما هي ايران اذن في المنظور الحقيقي ، الواقعي والقانوني الدولي والايديولوجي ؟؟ لن انقل رايي هنا فهو معروف وانا متهم سلفا بمعاداة النظام الايراني في طروحاتي وهي حقيقة لا انكرها لكنني لا اغلبها على الموضوعية وان لي علاقات طيبة بالعديد من المثقفين الايرانيين وبخاصة في صفوف المعارضة ومنهم من يتقاطع بقوة مع النظام :
يجيب الدكتور ثيري كوفيل عن هذا السؤال بالتفصيل في كتابه المعنون "إيران: الثورة الخفية"، الصادر في ترجمته العربية عن دار الفارابي "بيروت/لبنان"،ويضع سلوكيات النظام الايراني المتجلبب بالاسلام والمذهب الجعفري ،في اطارها القومي ليؤكد ان دولة خميني انما هي دولة قومية بحت.
وهو ما كنا نكرره في مقارناتنا بين احكام وقواعد الاسلام ودولته ،وبين الدولة الخمينية واقعا ،ودستورا ،فدولة الاسلام التي يدعي النظام الايراني انه اسسها على منهاج ال البيت ، ليست حربا على الظلم ،ومساواة حاكمة بين الاقوام ،من عربية وكردية وفارسية وبلوشستانية وغيرها ،يلخصها قول الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم ( لا فرق بين عربي واعجمي الا بالتقوى ) بينما يقدم دستور دولة خميني حامل الانتماء القومي المعروف رئيسا لا يتقدم عليه احد من قومية اخرى ويحصر مقام الرئاسة به ،وينيط اهم مقاعد الحكم بقومية واحدة ،كما يحصر مركز المرشد الاعلى هو الاخر بذات القومية ،تماما كما كان يفعل الاتراك في الدولة العثمانية ، والاتراك كي لا نغبنهم حقهم قالوها بالحرف الواحد ان دولتهم ( عثمانية ) ولم يقل الفرس ان دولتهم ( خمينية ) وقالوا انها اسلامية ،وهو ما يوجب الاعتراض والجدل وكشف الحقيقه .
وفي كتابه المشار اليه دعم الدكتور ثيري قوله و دراسته تلك بإحصاءات ووثائق تكشّف التناقضات والتراجع الأخلاقي والاقتصادي والديني في إيران اليوم في ظل نظام ولاية الفقيه.
كما سلّط الضوء على معلومات هامة بخصوص معدّل الإعدامات وحالات الانتحار والبغاء في الشوارع الإيرانية، "المتعة أو ما تسمى الصيغة"، كما ينقل استعراض بالعربية للكتاب ، وغير ذلك من الأمثلة التي يقدّمها بحثا عن الإجابة على السؤال الأهم في دراسته وهو: هل إيران دولة إسلامية أم قومية مذهبيه ؟
وان النظام القومي في ايران انما يستغل كل الواجهات الأخرى لخدمة طموح واستعلاء قومية واحدة على حساب الشعوب والقوميات الاخرى الأخرى وبخاصة السنية، لكن في نفس الوقت ـ يقول الباحث ـ إن القومية الحاكمة بحد ذاتها تعيش صراعا داخليا على السلطة.
اما الفصل المخصص لإقليم الأحواز العربي فقد حمل عنوان "الإثنية في إيران"، تحدّث فيه ثيري كوفيل عن منطقة الأحواز التي وصفها بأنها الرئة الاقتصادية "النفطية" لإيران، مشيرا إلى أن القومية العربية في الاحواز محرومة من الكثير من الحقوق، وعلى رأسها حقوقها الدينية.
ومن هنا بدأ الكاتب يشرح وضع (الحركة السنية الأحوازية) وبروزها ودورها في الصراع القائم بين العرب والمتسلطين الحاكمين وأهميتها الواضحة في الثورة الوطنية الايرانية .
كما تكلم عن الشعوب غير الإيرانية الأخرى كالشعب البلوشي، والكردي، وتكلم قليلا عن الشعب الآذري التُركي ومعاناة تلك الشعوب ضمن الكيان الطائفي التمييزي للنظام .
وفي السياق كتب الباحث الفرنسي، يقول: إن السنة في إيران وخاصة في الأحواز غير قادرين على ممارسة شعائرهم الدينية بحرية. كما أنه لا توجد لهم مساجد.
وفي مناطقهم لا تدرس إلا الدروس الدينية الشيعية جبرا، كما لا يمكن للسنة تولي المناصب السياسية والقيادية في النظام.
وينص الدستور الإيراني على أن وظيفة المرشد "أعلى سلطة دينية وتنفيذية وسياسية في إيران" لا يتبوأها إلا شيعي من قومية محددة .
والحكام المعينون في المناطق السنية في كردستان والأحواز وبلوشستان هم من الشيعة من ذات القومية ايضا ، ويؤكد الكاتب أن الكثير من القرى تم تدميرها في هذه المناطق، ووقع فيها الكثير من الضحايا بسبب النزاع المسلح بين المقاومة الوطنية وقوات النظام الحاكم ، وذلك بسبب التمييز الثقافي والاقتصادي والديني الذي جعل "العرب والبلوش والأكراد" من ضحاياها، وبالتالي فإن التوترات "الإثنية" "كما يسميها الباحث" قد توسّعت بفعل التمييز الذي تعانيه تلك الشعوب "كون هذه الشعوب سنّية في أغلبها".
ويرى الباحث أن هذه المناطق تعتبر دائما في عداد المناطق الأقل نموا في إيران، كما يرى أن التوترات القومية التي ستنجم في المستقبل، عن هذا التمييز، ستكون ذات عواقب خطيرة على إيران، ففي إمكان الوزن السكاني والاقتصادي لهذه الشعوب أن تحدث وتولد ظهور حركات أكثر حزما في مواجهة الهيمنة الحاكمة الان ، كون الأحواز مثلا هي الرئة النفطية لإيران وظهور النخبة السنية فيها يصب في هذا الاتجاه.
وتطلق تسمية الأحواز على المنطقة الغربية من إيران المقابلة لدول الخليج العربية، والتي تسكنها قبائل عربية سنيه ، والسُنة في الأحواز كانوا الأغلبية حتى بدأت الحملات العسكرية على المنطقة من قبل شاه اسماعيل الصفوي قبل خمسة قرون حيث قتل الآلاف في مدن كانت مركزا للمذهب السُني في العالم كعبّادان وتستر. وكان من السُنة علماء عظام في التاريخ العربي الإسلامي وذلك في مجالات عدة في علوم الحديث والفقه والصرف والنحو وغيره.
وفي عام 2006 تم حرق وإغلاق الجامع الوحيد المتبقي لأهل السُنة والجماعة في الأحواز وهو مسجد الإمام الشافعي في "القصبة"، وتم إعدام عدد من مشايخ أهل السنة والجماعة في السنين القليلة الماضية، وما يزال "الاعتقاد بعقيدة أهل السنة والجماعة" أخطر تهمة ممكن أن يواجهها الإنسان في الأحواز ، حيث يتم سنويا اعتقال المئات بسببها، منهم من يسجن ويعذّب ومنهم من يحكم عليه بالموت ويعدم شنقا او غيلة .
ورغم القهر والقمع والتنكيل، يؤكد الباحث أن مذهب أهل السنة اليوم منتشر بشكل واسع جدا في الأحواز ، ففضلا على انتشاره بالسواحل الخليجية الأحوازية ذات الغالبية السُنية، فإن هنالك أعدادا أخرى ضخمة في مدينة كوت عبد الله جنوبي الأحواز العاصمة، وفي أحياء كثيرة شرقي مدينة الأحواز، هذا بالإضافة إلى وجود أعداد معتبرة في مدن الفلاحية، عبادان والمحمرة.
وقد دأب السُنة في الأحواز على الخروج في مظاهرات حاشدة في أول أيام عيد الأضحى وعيد الفطر من كل عام، وذلك لإقامة صلاة العيد في الخلاء رغم حملات الإرهاب السلطوية التي تستبق العيد بعشرة أيام من كل عام وتستمر حتى عقب انتهاء مدته الزمنية.
وغالبا ما تردد الرموز الدينية المتسلطة التهديد والوعيد بأنه يجب اجتثاث التسنن، وعليه بدأت إيران بإيفاد مئات الملالي الطائفيين إلى الأحواز وصرف ملايين الدولارات كي تحارب تراث الاخر
فاي توصيف يختار لجمهورية ايران اولئك النواب العراقيون الديمقراطيون كما يفترض اذا جرى الاعتراض على رفع صور حكام طهران في شوارع بغداد ؟؟ وماذا يسمون انفسهم ؟؟.
صافي الیاسری
المصدر : العراق للجميع