أين موقع الأحواز مما يحصل في المنطقة
منذ أربع سنوات والثورات الشعبية تشعل المنطقة العربية. منها من انتصرت وحققت أهدافها، ومنها من كادت أن تسير في الطريق الخطأ بربط مصيرها بالمشروع التخريبي الذي تقوده إيران، لولا تصحيح مسارها في لحظة تاريخية واعادتها إلى جادة الصواب، ومنها التي عسكرت نتيجة للطبيعة الإجرامية لأنظمة متسلطة ربطت مصلحة بقائها كأنظمة بمصالح قوى إقليمية تسعى إلى تدمير دول قائمة وإبادة شعوب لتحقيق مصالحها. فبالرغم من أن النار المشتعلة في المنطقة أتت على الأخضر واليابس، وقتلت مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء بفعل مباشر من الدولة الفارسية المجرمة التي تعمد إلى إذكاء نار الفتنة دائما بين أبناء الوطن الواحد في سبيل تحقيق أهدافها القومية، إلا أنه من المؤسف أن هذه النار لاتزال لم تقترب من حدود هذه الدولة المارقة المجرمة كما ينبغي، حتى لو أخذنا في الاعتبار تلك العمليات التي تنفذ هنا و هناك من قبل قوى عسكرية لدى الشعوب غير الفارسية وهي تبقى عمليات لا ترتقي إلى حجم التحدي ولا تناسب بما يكفي الوضع الإقليمي المشتعل.
نجحت الدولة الفارسية في السنوات الماضية أن تروج وتسوق لمشروعها ((المقاوم والممانع)) عبر حزب الله وبعض الأحزاب التي رهنت قرارها بقرار الدولة الفارسية وبذلك أصبحت هذه الدولة بنظر الجماهير العربية وكأنها المنقذ الحقيقي للعرب والمسلمين! والعدو الصلب في مواجهة الكيان الصهيوني!. وفي ظل تلك الأجواء المخادعة كان من الصعب على الجماهير العربية أن تتقبل فكرة الوقوف إلى جانب القضية الأحوازية رغم عدالتها كي لا تمس ما إعتقدته أنه العمود الفقري لمشروع ((المقاومة والممانعة)) الذي تبنته إيران في تلك الفترة.
لذلك كان من المفترض أن يكون الوضع الإقليمي الملتهب فرصة سانحة وذهبية للقضية الأحوازية خاصةً وللشعوب غير الفارسية عامة، لتحظى بالدعم المطلوب عربيا وإسلاميا، في ظل تصاعد العداء بين المنطقة العربية والدولة الفارسية نتيجة ضلوع الأخيرة في الجرائم البشعة التي ترتكب بحق شعوب المنطقة، فرصة لم نكن نتوقعها قبل الثورة السورية المباركة التي كشفت المستور وعرت مشروع ((المقاومة والممانعة)) المزعوم ليظهر على حقيقته.
كنا دائما كأحوازيين نندب حظنا في أن الدولة الفارسية استطاعت نتيجة سياساتها الشيطانية بالترغيب تارة والمخادعة تارة أخرى أن تعزلنا عن محيطنا العربي، وأن تحيد الجماهير العربية في الوطن العربي الكبير عن مساندة القضية الأحوازية، رغم أن هذه الحجة لم تكن مقنعة بما يكفي لمن يريد أن يعمل.
ما يبعث الأمل في الوقت الحاضر أن هذه الحجة غير المقنعة أيضا ما عادت موجودة وأن دولة الاحتلال الفارسي بفعل ما أشرنا إليه دفعت الجماهير العربية خصوصا المتضررة منها، أن تعد القضية الأحوازية من قضاياها المصيرية ليس على مستوى الجماهير فحسب بل على مستوى النخب العربية أيضا، وخير دليل على ما نقول هو حضور النخب العربية بمختلف مشاربها الفكرية في مؤتمر لاهاي الذي نظمته حركة النضال العربي لتحرير الأحواز في صيف عام 2014 أو في مظاهرة كوبنهاجن الأخيرة التي شاركت فيها نسبة كبيرة جدا من الجالية السورية خصوصا تلك الشريحة التي وصلت توا للدنمارك والسويد نتيجة التهجير والإجرام الفارسي في سوريا.
في ظل الظروف المؤاتية والفرصة السانحة والانفتاح على القضية الأحوازية، لازالت قضيتنا العادلة لا صوت ولا نصيب لها في أحداث المنطقة بالمستوى الذي ينبغي أن تكون عليه، خصوصا أن قضيتنا ذات أهمية كبيرة وبإمكانها أن تلعب دورا محوريا في الصراع القائم في المنطقة في سبيل تحقيق أهدافها المشروعة. لذلك يجب علينا أن نبحث بدون انفعال وعاطفة عن مكامن الضعف والخلل التي أبقت قضيتنا تراوح مكانها. وحسب وجهة نظري المتواضعة أن المصارحة مع الذات إحدى أهم الحلول للمعضلة القائمة والسبيل إلى كشف الخلل والضعف ومعالجته، وبدونها لا نستطيع أن نجتاز هذه المرحلة. فنحن لا نستطيع أن نقود ثورة ونحرر بلداً بتنظيمات متواضعة لا تمتلك القدرة على الفعل والمواجهة، مهما تعالت أصواتنا وأصدرنا البيانات الرنانة بشكل يومي لكل شاردة وواردة!
المصارحة الذاتية تعني أن نعترف بضعف تنظيماتنا وأسباب الخلل البنيوي في هذه التنظيمات، وعلى كل المستويات خصوصا على مستوى تربية الكوادر والثقافة التنظيمية والأمنية وأن نسعى إلى بناء تنظيمات حقيقية تستطيع أن تتحمل أعباء الثورة وقيادتها. من السذاجة لو اعتقدنا أن القضية الأحوازية تنتصر بدون تنظيمات حقيقية مبنية على أسس تنظيمية رصينة وتمتلك إستراتيجية واضحة ومدروسة، خلافا لمن يروج بشكل ساذج أن التنظيمات لن تحقق أهداف الثورة أو أنها ستكون العائق أمام انتصارها! لم نقرأ في التاريخ، على أقل تقدير في التاريخ المعاصر أن شعبا ما تحرر بدون تنظيمات فاعلة. الدعم العربي والدولي الذي ننشده لقضيتنا وهو مهم لانتصار ثورتنا، لن نحصل عليه ونحن ضعفاء. كما يجب أن نعي حقيقة مفادها أن العالم لا يراهن على الحصان الخاسر. لذلك لا خيار أمامنا الآن إلا أن نعترف ببعضنا بغض النظر عن الحجم والقدرة، تنظيما كان أو فردا، وهي الخطوة الأولى لأي تقارب بين التنظيمات الأحوازية وتنسيق نشاطها والسير على الطريق الصحيح. هذه الخطوة من شأنها أن تؤسس لثقافة تعاون وتعاضد بين جميع أبناء الوطن الواحد، وتساعد على تطوير ذواتنا وتنظيماتنا الوطنية لمواكبة التطورات في المنطقة واستغلال الفرص المواتية.
من المؤكد أن أي تنظيم مهما كانت إمكانياته وقدراته لا يستطيع أن يستغني عن أي فرد من أفراد شعبه، فما بالك بتنظيماته الوطنية، وهذا هو المبدأ الذي كانت وستعمل على أساسه حركة النضال العربي لتحرير الأحواز وذلك من منطلق الإيمان والقوة وليس الضعف. فضعف أي تنظيم أحوازي ليس لصالح التنظيمات الأخرى، كما انه ليس لصالح القضية، واهمٌ من يتصور أن اضعاف أو اقصاء أي تنظيم عن الساحة الأحوازية يصب في مصلحته، التحدي كبير والقضية أكبر من كل التنظيمات وتحتاج لكل جهد وطني مهما كان حجمه ومن أي طرف صدر.
القضية الأحوازية الآن في مرحلة مفصلية، ومواكبة الأحداث تحتاج إلى تنظيم الشارع الأحوازي وهذا من مسؤوليات التنظيمات الأحوازية. لكن هل نستطيع أن ننظم الشارع وواقعنا يعاني ما يعانيه من ضعف وتشرذم؟. ضعف نشاطنا الخارجي أصبح يؤثر سلباً على الساحة الداخلية لما للعلاقة الجدلية بينهما من تأثير، فإنجازات المقاومة في الداخل، وتضحيات الأسرى والشهداء، وصمود الشعب الأحوازي… لم تجد ما يوازي هذه الإنجازات والتضحيات في الخارج باستثمارها في إنتشار القضية إقليميا ودولياً. وتحقيق مكانة لها على الخارطة السياسية في المنطقة.
في رأيي أن من أهم أسباب ضعف التناغم الواضح في العمل الوطني بين الداخل والخارج، واهتزاز ثقة هذه الجماهير في تنظيماتها الوطنية، تعود في الأساس إلى واقع تنظيماتنا السياسية الأحوازية دون إستثناء، واقع لا يرقى إلى مستوى المسئولية التاريخية الملقاة على عاتق هذه التنظيمات التي يفترض أنها تتصدى لقيادة هذه الجماهير نحو الخلاص. ضاق أفقها وإنحصرت ميادينها وانصرفت إلى صراعات لا طائل منها إلا إطالة أمد مأساة شعبنا، ليتها كانت خلافات على خلفيات أيدلوجية تستدعي التباين في المواقف للتعامل تجاه قضية ما، ليكون الإختلاف، بل حتى الصراع فيما بينها مبرراً، والدعوة إلى الحوار مطلباً، لأن المحصلة في النهاية مهما كانت النتائج التي لا إعتبار فيها للخاسر والمنتصر لأنها لن تكون إلا لصالح الوطن والمواطن … ولكن المؤسف والمحزن أن يكون السائد (في الغالب وليس بالمطلق) مجرد مماحكات فيسبوكية تتبنى مواقف لجماعات بعينها ضد جماعات أخرى تبادلها الرد بنفس الإسلوب وعلى نفس الساحة الإفتراضية، وطبعا الأفضلية لمن حصد أكبر عدد من (الشير والإعجاب) والتعليقات المؤيدة، في حالة أشبه بالنشوة الزائفة كتلك التي تثيرها برامج التسلية التي تهدف إلى تسجيل إنتصارات صغيرة (دينكشوتية) لإرضاء العاجز الذي قيد نفسه أمام شاشة الكمبيوتر وهو يخال نفسه أنه يخوض حربا ضد العدو. لكنه في الحقيقة يهدم لا يبني، يباعد لا يقرب، لا ينجز عملا وطنياً بل يخدم العدو ويحبط من معنويات الوطنيين في الداخل والخارج، علم ذلك أو لم يعلم لأن المحصلة واحدة.
أحداث المنطقة خلقت فرص كبيرة لتنظيماتنا الوطنية لتوسع من إمتدادها الشعبي والرسمي في الوطن العربي، وتطور من امكانياتها على كل المستويات النظرية والعملية، خصوصا لتدريب كوادر ميدانية وهي حاجة ملحة للمرحلة الراهنة والمستقبلية. إلا أننا سجلنا غياباً فادحا، لم نتعظ بالتجارب ولم نستفد من النتائج وكأننا لسنا من المنطقة التي أجج سعيرها وتسعى إلى ترتيبات قد تغير في تكوينها السياسي والجغرافي… ولن يكون لغير الفاعلين نصيباً في المرتقب إذا ما حدث.
فأنا عندما أتحدث عن الواقع الأحوازي مبرزاً ومنتقدا مافيه من عيوب، فأنا لا أتحدث من خارج الواقع، بل أنا إبن التجربة أتحدث من داخلها، يسيئني ما بها من عيوب، أنشد السوية والكمال الذي يوصلنا إلى الهدف…
الحديث عن السلبيات والأخطاء والدعوة إلى التصحيح والتغير هي دعوة دائمة ومستمرة لتحقيق أعلى قدر من الكمال، فلا تجربة بلا أخطاء، ولا نجاح بلا أخطاء، وعليه لا نبخس أي قوة تعمل على الساحة حقها متى ما أظهرت على أرض الواقع جدارتها في رفد المسيرة، فهناك نماذج جديرة بالإحترام تعمل وتجتهد، تخطئ وتصحح… يحسب لها ما قدمت من إنجازات لصالح الوطن، ينتظر منها الكثير، فإن قل عددها هذه القوى أوكثر حتماً ستلتقي في تقاطع يوحد صفها لتقود المسيرة نحو الخلاص. فعليه من حق التنظيمات التي تسعى دائما إلى أن تكون بمستوى التحدي أن تأخذ بزمام المبادرة وأن تستغل الظروف لصالح القضية، الفرصة لا تنتظر القابعين في سجون أفكارهم الضيقة مهما تعالت أصواتهم وسعوا إلى عرقلة عمل من يسعى أن يكون بمستوى التحدي. المطلوب هو أن يسعى الجميع حسب قناعاته ونهجه إلى تحقيق منجز يحسب لصالح القضية الأحوازية. والمرفوض هو السكون والسلبية، والبكاء على الأطلال، والتخوين، والإنتقاص من شأن من يعمل والمراهنة على فشله وكأن في ذلك ما يرضي غروره، لأن لا مصلحة في ذلك للوطن والقضية.
آن لنا أن نرتفع بمستوانا إلى مستوى قضيتنا العادلة وأن نفتح عقولنا قبل قلوبنا لبعضنا وأن نتصارح مع ذواتنا وأن نضع مصلحة قضيتنا فوق كل المصالح الأخرى. أمامنا تحد كبير، وهذا التحدي الكبير يحتاج إلى عزائم صلبة ورجال مؤمنين.
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105]
حبيب جبر