حين دخلت المدرسة
مرت ليلة سعيدة برفقة الصديق هادي وبعض الأصدقاء في الفلاحية، وكانت القصائد تنثال علينا في الليل البهيم كالنور ممزوجة ببرد القصب ورائحة الهور.
ما إن باح الصباح بسر العصافير المتناثرة المندسة في رفوف السطوح والشرفات المتآكلة لفرط البرودة حتى سرنا منطلقين من نحو الإحتفال الشعري في عبادان لقصيدة النثر. أثناء الطريق طلب منا هادي أن يمرّ على المدرسة الثانوية، لأمر ما لأنه ناظم المدرسة. حين نزل من السيارة أراد مني أن أرافقه.
دخلت معه من باب المدرسة الصدئ والذي أزالت الشمس ألوانه الواهنه. فهبطت بجسدى وسط الباحة الشاسعة والمجردة من أي حياة! الأرضية كانت ترابية وبعض البلاطات بقيت متناثرة لم تنخلع بعد، والمرافقات مرمية في زاوية يتهيب المرء من الإقتراب إليها لهيئتها المزرية. لم أزل أرافق هادي للدخول إلى مبنى المدرسة وعيناي تجولان الأطراف باستغراب. دلفت وسط الصالة وإذا برائحة عطنة تخرش الانف وفوّاحة كرائحة رطوبة تقول لك بأنك عدت لزمن غابر، فالرائحة تحلّ في كل مكان وكلما اقتربت من الصفوف ومكتب المدير تشعر بأن الرائحة أخذت تتقيح أكثر وتشتدّ. بعض الفصول بلا أبواب فسمحت الفتحات لي بروئة البلاطات المنخلعة مما أمست الأرضيات ترابية مع مفروشة بالحصى، والطاولات متآكلة والسبورات بعضها لا تصلح للكتابة والبعض الأخر لا تصلح للروئة كذلك. طالما كنت أخشى مثل هذه الزيارات السريعة والمفاجئة لأنها سوف تربك كل لحظاتك وتبقى تعيش معك وتأخذك معها وتجعلك أن تلعن نفسك وتلعن المدارس وأبا المدارس والتربية والتعليم و… هذه اللحظات ولو أنها قصيرة لكنها كشقشقية تشحنك بكم هائل من الكراهية والألم، الألم الذي تحسّ به وأنت وسط هذا المبنى الذي يشبه مباني زمن الشاه، أم سجون الحرب العالمية الثانية، أم حظيرات واسطبلات لم تؤسس بعد، ولربما مبان تركها الناس لفترة الحرب العراقية الإيرانية.
خرجت من أحد الفصول منذهلاً والوجوم لايزال يعتريني وقد هتف صديقي خلفي:
"إلى أين أنت ذاهب؟ باب الصالة من هنا!"
ما لهذه المدرسة التي لا يعرف أولها من آخرها، ولا تدري كيف تخرج منها، يا ترى هل هي لأسرى حرب أم أنها حقاً للتعليم والتعلم؟!
قبل أن أخرج من الصالة ألقيت نظرة أخيرة على أحد الفصول، فكانت الحيطان الأربع متلبسة بالإسمنت، بعضها قد طلي بالجص بشكل عشوائي، إذ برزت بعض القراميد الصفراء البالية منها. وجدت ورقة قابعة عند إحدى الطاولات، اقتربت فرفعتها، كانت ورقة امتحان لأحد الطلاب، فلم ينجح، أخذ درجة 9. وقد كتب خلف الورقة:
"خواهش مي كنم كمكم كنيد"*
طوال الطريق لم أنبس ببنت شفة ولم أتفوّه بكلمة حول الإحتفال ولعنت كل الإحتفالات. فسألني هادي:
"ماذا بك؟ هل أنت معنا؟"
قلت له:
"لا، لست معكم، لم أزل في المدرسة"
ارتسمت ابتسامة مرة على شفتيه قائلا:
"هذه أفضل مدرسة في الفلاحية."
*أرجوكم ساعدوني.
حسين طرفي عليوي
المصدر:موقع بروال