أحرام أن نكون عربًا؟!
تركيا دولةٌ مستقلةٌ، سكانها أتراك بالجنسية، فكلمة «ترك» تشير إلى قومية الشعب التركي، الذي يدين أغلبه بدين الإسلام. ورغم انتمائها الإسلامي، فقد عزَّزت تركيا انفصالها بلغة، وبعادات وتقاليد خاصة، وروابط أوروبية، ولم تفتح حدودها للمسلمين؛ لتكون بلادها نواةً لدولة إسلامية كبرى.
وإيران دولةٌ مستقلةٌ تفخر بأرض الآريين، وبشعبها الفارسيّ المتمسّك بهويته، ولغته، وثقافته، وإسلامه، ورغم أن طموحها في أن يكون لها سلطان إسلامي على المسلمين، إلاَّ أنَّها لا تقدم أراضيها حقًّا مباحًا لهم جميعًا كبداية لذلك السلطان.
هذا هو الحال في إندونيسيا، وماليزيا، وباقي دول العالم الإسلامي، وهو حال الأعداد الهائلة من المسلمين الذين يعيشون في أوطان ليست إسلامية، وكونهم أقليات فيها، لا يعني أنهم يخيّرون دينهم الإسلامي على هويتهم العرقية، فهم مطمئنون، ومتصالحون مع أجناسهم، ومع ديانتهم في الوقت ذاته دون أن يتماسَّ الدِّين عندهم مع الهوية.
لماذا إذًا يتفرّد العربي بهذه المعضلة؟ لماذا عليه أن يواجه السؤال المغرض، والمطروح بأسلوب تضليليّ خبيث: هل انتماؤك الأساس والفطري للإسلام، أم للعروبة؟ لماذا عليه أن يختار أصلاً، بل وأن يثبت جدّية اختياره للإسلام، بقبوله أن تكون أراضيه إسلامية مشاعة؟ وهو في الحقيقة لا خيار لديه، إذ إن العروبة في السؤال تقع موقع التضاد والتنافر؛ لأن السؤال يفاضل بين الدِّين والهوية، فيسلخ العربي من جلده ليصبح وحده دون مسلمي الأرض مسلمًا فقط، وكأنَّ هويته تناقض الإسلام.
عندما يرشّح الإسلام السياسي خليفة للمسلمين، فهو لا يرى أن العربي الطاغية الفاسد يصلح لأن يتبوأ هذه المكانة الشريفة، ويرى في المسلمين الآخرين ذوي الهويات والجنسيات واللغات المختلطة من هم أكفأ وأجدر، فقط العربي هويته عار، ووصمة؛ لذا يجب عليه أن ينبذها، ويترفّع عنها. ومن هنا نستطيع أن ندرك لماذا يتم تحطيم العرب، وكل ما هو عربي، حتى أن العرب أنفسهم صاروا يستصغرون أنفسهم، ويتطلّعون إلى خارج أوطانهم بحسرة، فماليزيا العظيمة، وتركيا الفظيعة، وإيران الرائعة تتضخّم في ضمائرهم في مقابل استحقارهم لعروبتهم، وبلادهم، وتاريخهم، وبعضهم البعض.
ولو لم تكن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم لتلاشت وانقرضت من كثرة الهجوم عليها؛ لكيلا توحدنا، لكن الحملات المغرضة لا تتجرّأ على اللغة، فتنهال بالتجريح على ناطقيها. كم مرة في اليوم نسمع عن تدهور حال اللغة العربية، وكيف أننا نسيء إليها، ونلوّثها، ونشكّل خطرًا عليها، وكأننا برابرة لا ينطق لساننا بلغتنا الأم؟ هناك مَن يغذينا باستمرار بأن الخراب قد عشش في العقول العربية حتى سكن الإحساس بالنقص بواطن الوعي العربي. اهتزّت ثقتنا في جدوانا، وقيمة وجودنا، والعالم كله يحاول أن يُنسينا خصوصيتنا الثقافية، فيطمس فينا الفروسية، والشجاعة، والعزة، والشهامة، والنخوة، والأصالة، والكرم، ويرسّخ فينا مكوّنات الوحشية، والتناحر، والانحطاط الخُلقي، فما نحن إلاَّ عرب همجيون ليس لنا من التاريخ سوى الجاهلية المنتنة، والباقي إرث إسلامي لا يخصنا.
ثم يأتي من يدلنا على طريق الخلاص: فكل أزماتنا سببها تخلينا عن الدِّين وتهاوننا في التمسك بتعاليمه، والدليل الوحيد لهذا التخلّي والتهاون هو شعورنا، ولو لوهلة بقوميتنا العربية. هل أنت عربي أم مسلم، وأيُّهما أقرب إلى قلبك؟ سؤال يفجّر القلب، ويوسّع الشرخ الحاد بين انتمائنا للدِّين وهويتنا التي يتم تحطيمها، وتشويهها، وإحباطها. كل مسلم من حقّه أن يعتز بهويته، ويفاخر بخصائص ثقافته، إلاّ العربي، هو وحده المطالب بالتنكّر لأصوله، ودفن هويته، والتنازل عن تراب أرضه حتى يكون مسلمًا حقًّا.
لمياء باعشن
المصدر: جريدة المدينة السعودية