الأحواز العربية .. وحقوق الإنسان المنسية
لهيئات، ومؤسسات حقوق الإنسان الدولية، مزاجات غريبة، فهي تتوافق كثيراً وسياسات الدول الغربية، والسياسة الامريكية في المنطقة، وهي تنطلق بحسب قوة المصالح السياسية، وتصبح مع الوقت، أداة تدخلية، في الشؤون الداخلية للدول، وأحياناً تصمت وتجبن عن شعوب تسام الويل والعذاب.
في العام 1977، تبنى الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، موضوعات حقوق الإنسان، ولتصبح فيما بعد، أداة من أدوات السياسة الخارجية، وأداة ضغط إعلامي وسياسي ضد كثير من أنظمة الحكم، وأداة للتدخل، خاصة وأن الإعلام الدولي، قريب الى حد الالتصاق بالمصالح الغربية، ولهذا صمتت مؤسسات حقوق الانسان كثيرا، امام الجرائم الاسرائيلية، عندما كان الغرب واسرائيل، يتحكمان بالإعلام الدولي، ويوجهانه وفقا لحركة مصالحهما، فحدثت الجرائم البشعة، واللا انسانية، وكانت قرارات المجتمع الدولي دائما دون المستوى، لان الامر يتعلق بأمن اسرائيل.
الأحواز العربية
وفي إيران، الوضع مشابه جداً، فهناك تجريف ديمغرافي للأحواز العربية، وهناك سجون كبيرة وإعدامات كثيرة، ولعل الرئيس الايراني حسن روحاني، الذي توسد الدبلوماسية الناعمة مع الغرب، وقدم التنازلات البطولية، قد طار الى الاحواز، بعد ولايته بشهرين، ليقف على ملفات ادانة الاحوازيين، ويوقع شخصيا، قرارات اعدامهم، ليصل عدد من تم اعدامهم، بتوقيعه وبأمر منه، ما يتجاوز 500 احوازي عربي .
الاعدامات في الاحواز مجهولة الاماكن، معروفة الجهة التي تقترفها، ولا يعرف عنوانها الاعلام الدولي، اعلام بلاد الحريات والديمقراطيات وحقوق الانسان لانه ليس من مصالح الدول الكبرى، اثارة مثل هذه المواضيع، مع ايران، طالما ان هناك مصالح ، ومنافع مشتركة، لم تتحرك هيئات ومؤسسات، حقوق الانسان العالمية، لم يكن لها ذكر، أو دور يفرض على طهران، تعديل سياساتها تجاه هذه المنطقة، ولم تظهر هيئات، حقوق الانسان العربية بالقدر الكافي، للكشف عن جرائم ايران بحق اخواننا العرب، الذين يساقون الى الموت وبصمت مريب وغريب .
إعدام الشعراء
بالأمس القريب، اعدمت طهران 14 من الناشطين والمثقفين العرب الاحوازيين، وقع ملفهم الرئيس حسن روحاني، امر بنقلهم من سجن كارون الرهيب، السجن الذي سمي على اسم نهر الكارون الذي ظل لسنوات ملهما للشعراء والادباء والفنانين، نقلوا جميعا بسرية تامة، لا هيئات حقوق انسان، ولا هيئات دفاع، والغريب ان زيارة روحاني للاحواز، جاءت بعد ان احجم احمدي نجاد عن زيارتها مرارا، الامر الذي يكشف النقاب عن ان رؤساء ايران، ليسوا الا ضباطا، في الحرس الثوري الايراني، يقومون بمهمات سياسية، ضمن الجدول، والبرنامج السياسي المطلوب.
لا احد يعلم اين نقلوا، لم يكونوا ارهابيين، بل هم أدباء وشعراء ومثقفون، ضاق بهم النظام الايراني ذرعا، حكم عليهم بالاعدام، في محكمة ثورية، وهي المحاكم التي تخصص للموت، والقتل، دون استحضار لأبسط معايير حقوق الانسان، كانت محكمة مكونة من قاض وحيد، مهمته الوحيدة، النطق بحكم الاعدام المقرر سلفا ، فنطق القاضي آية الله محمد باقر موسافي بالحكم الغريب، الذي أدينوا به وهو خوضهم حربا ضد الله، وإعاثة الفساد في الارض وبين الخلق، والتشكيك بولاية الفقيه.
والملفت للانتباه، ان الدولة الاسلامية، تصرفت بسلوك يظهر حقيقتها، ونزعتها القومية، والصفوية المتعصبة، حيال العرب في الاحواز، فبعد جريمة اعدام الادباء والمثقفين الاحواز (لم تسلم جثامينهم الطاهرة إلى ذويهم، لترتكب بذلك جريمة مزدوجة بحق الشهداء وذويهم، وبحق الشعب العربي الأحوازي، على حد سواء، لم تفعل أي دولة في العالم، كما فعلت وتفعل السلطات الإيرانية، حيث من أبسط حقوق الموتى، هي الصلاة عليهم، ودفنهم في مقابر المسلمين، وإقامة مجالس العزاء لهم، وهذا ما تنص عليه التعاليم الإسلامية، وجميع الأديان السماوية، مايثبت بأن إيران ، بعيدة كل البعد، عن الإسلام بكل معانيه وتعاليمه السمحة).
الشهيد هاشم الشعباني
هاشم الشعباني العموري، شاعر شاب، وغزير الإنتاج باللغة العربية الأم، وبالفارسية أيضاً، عرف عنه أنه شخصية رقيقة متسامحة، ومنتمية للأحواز، لم يتجاوز عمره 32 عاما، لكنه كسب شعبية كبيرة على مستوى الاحواز، وعلى مستوى ايران كلها، وبخاصة شعره المقاوم، ولعل شعره السياسي، كان يقض مضاجع طهران، التي سارعت بإعدامه، فهو حاصل على الماجستير في العلاقات الدولية، وشاعر مر، يلهج لسانه وجوانحه بالعربية، التي حاولت ايران اجتثاث جميع مظاهرها في الاحواز، لكن الاحوازيين وبإصرار عجيب، هم اكثر العرب حفظاً للقرآن والشعر، ولديهم أجمل الخطوط العربية، لأن في ذلك حفظا للهوية، وللأحوازي في زمن الاحتلال الفارسي اسمان: اسم عربي ، واسم فارسي تصر السلطات الايرانية على تسجيله، لكنها تضطر للتعامل مع الامر الواقع، فالاسماء الفارسية تنسى ، وتبقى الاسماء العربية متداولة .
كان شاعرنا الشعباني رقيق المشاعر، وصلب الانتماء للاحواز، كان رفيقا بوالديه، اللذين هدهما المرض والتعب، كان ساهراً على أحوالهما، لم يخرج خارج الأحواز، كان راغبا بمزيد من الحريات، والانفتاح السياسي، كان ينظر أحوال قومه، ويقارن بينهم وأحوال الفرس، في الأحواز كيف يعاملون، وكيف يعامل شعبه الاحوازي، كانت التفرقة والتعامل باحتقار ودونية، تسلب راحته، ما جعله يتدفق شعرا، كان ينظر للاحواز كعشيقة، كان يبرز جمال الاحواز، سهولها وجبالها وناسها، وكانت قصائده منشورة، ومنتشرة بين الاحوازيين، ولها وقعها الخاص عليهم
اعترافات بالقوة
اعتقل الشاعر الشعباني في سجون الحرس الثوري، وكان القرار، بضرورة إنهاء الشعباني كرمز، وكصورة محبوبة لدى شباب الأحواز، وفي عام 2012 أجبر على الإدلاء باعترافات متلفزة، لتلفزيون الحرس الثوري، أرغم فيها على الاعتراف، بكثير من القضايا غير المنطقية، كداعم لانفصال الأحواز، وعلى صلته بحزب البعث العراقي، ومشكك في ولاية الفقيه، والاتصال بالرئيس الليبي معمر القذافي، وبالرئيس المصري محمد حسني مبارك.
زاد من حنق السلطات الايرانية عليه، انه تمكن من ايصال رسائله واشعاره، خارج السجن، وصف السجن بأقذع الأوصاف، قال: إن هناك سجناء منذ بدء الثورة الايرانية ، إن هناك من فقدوا عقولهم بسبب التعذيب، وإن هناك تمييزا بشعا، ضد سجناء الاحواز، وصفه بالاجتثاث المليء بالاحقاد، وإن حفلات الاعدام، ليست على وجه حق، ولا الجرائم تستحق مثل هذه العقوبات، وانما العقوبة لأنك عربي حر.
ويقول الشعباني: إن السلطات الايرانية تخاف اكثر من غيرها، من قلم شاعر، انها تخافه اكثر من رتل دبابات، او طائرات، إنها تخاف ان تصحو هذه القوميات من سباتها العميق، ويحطموا أغلال الانغلاق، وينتزعوا حريتهم، لم استخدم بندقية أو أرمي قنبلة لم أقتل إنساناً، بل كل جريمتي أنني أمسكت قلمي، وكتبت عن فظائع إيران من الداخل.
نار القوميات
تعيش ايران على قلق، وعلى صفيح ساخن، وعلى نار الحقوق القومية المغتصبة، فيما لا يشكل الفرس في ايران اكثر من 40% من مجمل المكونات الايرانية، الا ان الفرس يحتكرون الحكم وكافة مرافقه، ويحتكرون الثروة، ولعل الحرس الثوري مثال على النزعة الفارسية، الا ما ندر، فهي تخاف ثورة القوميات غير الفارسية، ولهذا ليس للاحوازيين والبلوش نصيب في الدولة والحكم، ولا في الثروة،
فهيئات حقوق الانسان، في حالة موت دماغي، فيما يتعلق بإيران، في وقت تعد إيران ، الدولة الثانية في العالم، بحجم الاعدامات بعد الصين، وإيران تتصدر دول العالم بدعم الإرهاب، وتسليح تنظيمات الموت والقتل والدمار الإنساني، وهي تستغل الدين لخدمة مصالحها القومية، ولم ولن تتوانى في التخلص من اعوانها وعملائها، اذا ما وجدت ان ذلك يحقق مصالحها، فقد اعتدت على المنابر والحسينيات في العراق، قتلت الشيوخ والمشايخ ورجال الدين والمراجع، لتلهب المشاعر ولتوقظ الفتنة والبعد الطائفي، وليصبح البعض في خدمتها كما يعمل اليوم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي باع وطنه وشعبه من اجل ايران ومن اجل البقاء في السلطة.
ويلخص الشهيد الشاعر هاشم الشعباني، حال التحقيق، في السجون الفارسية ويقول :لسبعة أيام وهم يصرخون بي:
أنت تشن حربا على الإله!
في السبت قالوا: لأنك عربي
في الأحد: حسنا، إنك من الأحواز
في الاثنين: تذكر أنك إيراني
في الثلاثاء: أنت سخرت من الثورة المقدسة
في الأربعاء: ألم ترفع صوتك على الآخرين؟
في الخميس: أنت شاعر ومغنٍ
وفي الجمعة: أنت رجل، ألا يكفي كل هذا لتموت؟
المصدر : صحيفة اليوم