النقد
لم ولن يتغير أمرٌ إلا بالنقد. والنقد هذا كان منذ قديم العصور الى يومنا الحاضر لكن بمختلف الاشكال. فإن لم نعد النظرة في أمرٍ ما أو لم نتسائل حوله او نعيبه..لم نقم بتغييره. فالنقدُ جوهرُ التغيير في كل الأمور، والشعبُ الذي يفقد النقدَ يفقد البوصلة نحو الافضل۰
هناك كثيرٌ منا يخشى النقد والتساؤل. وإن طرحتَ سؤالا جُوبهتَ بالإتهام وسوء التعبير..وهذا شأن الشعوب التي قد غرقتْ في سبات الجمود وعدم الحركة…فمن لم يقم بنقدِ ذاته لن يعرف عيوبه وكلنا نعلم أنه لايوجد إمرءٌ خالٍ من العيوب۰
إن النقد ليس إلا محاولة لمعرفة الحقيقة لاغير. فلا يجب أن نتصور النقدَ شيئاً من قبيل التعيب او التجريح او التخريب…وليس النقدُ مبارزة او منافسة إنما النقدُ بحثٌ من أجل دراسة ومعرفة الموضوع المطروح للنقد. فإن نقدتَ أمراً ما فإنكَ لا تريدُ إلا تسليط الضوء على كل أبعاده قدرَ الامكان. فنقدُ الشئ لا يعني شطبه بأي حال من الاحوال ولا ينبغي أصلا أن يكون النقد شطباً بل ماهو الا وسيلة لمزيدٍ من المعرفة۰
بعد الحقيقة الهدفُ الآخر المتوخى من النقد هو تحرير العقول مما يعتريها من أخطاءٍ وإنحرافات…على هذا فلا يجوز للناقدِ أن يهاجم المنقودَ او يتوقع منه الانقياد والمحاكاة له…وإن حدث هذا فلا خير فيه لانه أبدل أسراً بأسر وتبعية اُخرى…الحقيقة لاتستعبد الناس بل هي لتحريرهم من الجهل.فلما تنقد أمراً ما دع اصحابه يكونوا أحرارا ليدافعوا عنه ولا تطلب منهم ابدا أن يقبلوا برأيك دون رأي آخر۰
كثيراً منا نتصور النقد مبارزة او حرباً قائمة بين طرفين ونخاف من تبعات تلك الحرب او المبارزة…وهذا امرٌ في غاية الخلط والخطأ…لأن النقد تجارة تعطي فيها وتأخذ. نقد الشئ تصحيحٌ لفكر الناقد والمنقود…وليس دائما الناقد يكون على كل الحقيقة والصواب والمنقود على كل الخطأ. بل على الناقد أن ينظر للطرف الآخر مخطئاً يفترضُ أن يشوب رأيه الصواب وينظر لنفسه مُصيباً يشوبه رأيه الخطأ۰
وأخيراً…مرة اُخرى نكرر أن النقد من اجل الحقيقةِ والحقيقة من أجل حرية العقول والاجساد…وهذه النظرية من أهم ما يؤكد عليه المفكر الكبير كارل بوبر. بناءا على هذا لا يجملُ بالمثقف الناقد أن يشطب الناس او يهاجمهم او يطلب منهم التبعية فكل هذه الامور منافية للاهداف المنشودة من عملية النقد.
علي عبدالحسين
المصدر: مدونة فلاحيتي